حين تبتسم الحرية
لم تستطع الوجوه إخفاء دموع الفرح باللقاء؛ فلقد كانت تلك الدموع الممزوجة ببريق الحرية، تكسو مطار عدن، أمٌّ تنادي بصوت تجاوز الجميع، فلذة كبدها الذي كُتبت له الحرية، وكم هم الذين لا يزالون يحلمون بهذا اللقاء، وطفل ينظر نحو والده باندهاش كأنه لا يعرفه، ولا يُلام هذا الطفل؛ فقد غيّر سجانو مليشيا الحوثي ملامح والده ليبدو شخصًا آخر هزيلًا يشتعل رأسه شيبًا، يحدث طفله: مالك ألم تعرفني؟!!
خرج اللواء الصبيحي أولًا، فكان الأكثر حكمة وسعادة وشموخًا ليؤكد لنا مجددًا كاريزما هذا القائد وتواضعه بالرغم من امتلاء ساحة المطار بمحبيه، وكلنا محبوه، وانتظار الكثير خارج الساحة، إلا أنه لوّح لمن تدافعوا نحو بوابة طائرة الصليب أن يهدأوا وأن يُفسحوا الطريق للأسرى بابتسامة قائد خجول وبفرحة صافية كالشمس، وخلفه كان المناضل اللواء ناصر هادي الذي كان يبدو على وجهه التعب والفرحة معًا، يسيران في طريق واحد نحو سلم الطائرة، وخطواته تقول: لم أصل بعد فشعور الفقد للعائلة كان واضحًا من شدة الاشتياق.
وعن أسرى الساحل، فقد امتزجت البهجة بالذهول والشوق بالاندهاش، وعيونهم تردد: هل نحن في حقيقة أم حلم؛ فقد أنهكتهم مليشيا الحوثي كما أنهكت كل الأسرى بالعذاب والمعاملة السيئة التي لا تشاهدها إلا في سجون هذه الشرذمة.. وعند حديثي مع أحدهم من أبناء تعز الشامخة، كيف كان السجن، وكيف كانت المعاملة؟ رد وحشرجة صوته مغمورة بالألم: كل الذي تتخيل من العذاب، وما أشد العذاب النفسي الذي لا يختلف عن العذاب الجسدي.. أسير آخر سألته عن شعوره؟ فقال: أنا ولدت اليوم من جديد، وملامحه تضيف: يا ماجد أنا حر طليق عمري يوم من مواليد الجمعة شهر رمضان 1444 الموافق 14 أبريل هذه هويتي منذ اليوم، فمن ينجو من تلك العصابة هو مولود جديد بعثه الله ليحيا مجددًا.
هكذا حدثتني التفاصيل التي شاهدتها وعشتها في مطار عدن، في يوم مفعم برائحة الحرية وبهجة اللقيا، مشاهد عشت فرحتها معهم، كما عشت وجعهم أيضًا، وشاهدت عظمت لحظة الانتصار، فخروج هؤلاء كان انتزاعًا وبالقوة من فم الغول الحوثي، الجماعة التي تنتهج قهر الرجال، واهمة أنه يضمن بقاءها ويطيل أمدها!
سوف نبلسم الجراح في هذه اللحظة، لكي ننعم بالفرحة التي طال عنا غيابها، بلقاء الأبطال وعودتهم إلى ديارهم في انتظار بقية الأسرى حتى ينعم الله علينا بحريتهم، ويفرج عن الكل، والتحية لقيادة المقاومة ووفدها برئاسة قائد محور الحديدة العميد زايد منصر، وكل من رافقه؛ فقد كانوا منذ الساعة السابعة من صباح الجمعة، وهم صائمون، في انتظار الأسرى في المطار حتى وصلت الطائرة الثانية في الساعة الرابعة والثلث.