الدكتور صادق القاضي يكتب لـ" 2 ديسمبر": زيارة السفير السعودي إلى صنعاء.. من وجهة النظر الحوثية!
من الطبيعي لأيّ جماعة شمولية انقلابية معزولة دولياً، وغير معترف بشرعيتها، مثل الجماعة الحوثية، أن تحاول تصوير أي مباحثات مباشرة أو غير مباشرة تجري بينها وأطراف دولية، باعتبارها كسراً لعزلتها، ومكسباً كبيراً لها، خاصة بعد حوالى ثماني سنوات من العزلة المفروضة، وعدم الاعتراف الدولي.
وهذا ما فعله إعلام الجماعة الحوثية في توصيف زيارة السفير السعودي "محمد آل جابر" مؤخراً لصنعاء، والتقائه بعدد من قيادات الصف الأول للجماعة.
هذه الزيارة خطوة مهمة لا شك، وتأتي استجابة من قبل الحوثي لضغوط دولية وإقليمية ومحلية قاهرة، على رأسها تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، وبشكل فرض نفسه على الجماعة الحوثية، بجانب فشلها السياسي والعسكري، وضغوط عجزها الشامل عن الخروج من عزلتها السياسية، وفشلها في إدارة أيٍّ من مرافق البلاد طوال السنوات الماضية.
غير أن الماكينة الإعلامية الحوثية، كعادتها في تزويق الفشل، وتسويق العدم. جعلت منها تحولاً جذرياً في مسار القضية اليمنية، ونهاية سعيدة لقصة كفاح كوني تكللت بنصر مؤزر مزدوج للجماعة، على السعودية وعلى حكومة الشرعية.!
ورغم أن هذه الزيارة تمثل سابقة من نوعها، من حيث المكان، إلا أنها لم تنطوِ على جديد. بشأن كسر العزلة الدولية المفروضة على هذه الجماعة التي تعاملت السعودية، وستظل تتعامل، معها، حتى إشعار آخر. باعتبارها سلطة غير شرعية "سلطة أمر واقع"، وهي الصيغة الثابتة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع هذه الجماعة منذ بداية انقلابها على الدولة والإجماع الوطني عام 2014م.
وفي حين تصور الجماعة الحوثية من جهتها هذه الزيارة باعتبارها منعطفاً نوعياً للقضية اليمنية.. تمثل الزيارة امتداداً للسياسة السعودية المبدئية القائمة على ترك الباب مفتوحاً للحوار مع الحوثيين، بداية بمباحثات ظهران الجنوب في السعودية عام 2016م، وبشكل خاص لتفعيل المبادرة التي قدمتها السعودية في 22 مارس 2021 لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل لحل سياسي شامل يتضمن:
- وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة.
-إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة وفق اتفاق ستوكهولم.
- فتح مطار صنعاء الدولي.
- بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناءً على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
هذه مطالب إنسانية واقتصادية وسياسية وعسكرية يمنية عامة، فرضت حكومة "الشرعية" غالبيتها، وتبناها المجتمع الدولي تجاه اليمن، وهذه الزيارة السعودية تأتي في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة لتمديد الهدنة في اليمن، وحل قضايا عالقة بين الجماعة الحوثية وحكومة الشرعية، منها تبادل الأسرى، ودفع مرتبات الموظفين، ودفع الأطراف إلى حوار مسئول للوصول إلى حل شامل في اليمن.
غير أن الحوثي لم يكن ليفوت فرصة ركوب موجة الآمال الشعبية اليمنية العامة بأن تفضي هذه الزيارة السعودية إلى انفراج في الأزمات اليمنية.. دون خدمة أجندته الخاصة، مشيداً بنجاح الجماعة في فرض شروطها على "العدو السعودي"، متجاهلاً حقيقة نجاح "عُمان" في الإعداد لهذا اللقاء، ونجاح السعودية في فرض أوراقها على هذه الجماعة التي سحبت كل شعاراتها العدائية للمملكة، فلم تعد السعودية لديها منذ اليوم طرفاً في الحرب، بل وسيطا في الأزمة.!
لسنا هنا في صدد توصيف حقائق وأخلاقيات وقيم التدخل السعودي في اليمن، أو الدفاع عنه، بقدر توضيح مفارقات التناقضات الحوثية في توصيف هذا التدخل، والمشكلة اليمنية عموماً: استقبال الجماعة الحوثية للسفير السعودي في صنعاء، اعتراف صارخ، بكون الحرب في اليمن ليست "عدواناً" أجنبياً على اليمن، بل مشكلة يمنية يمنية، لها طرفان: الشرعية، والانقلاب، وأن السعودية تمثل وسيطاً بين هذين الطرفين.!
ألا يتناقض هذا مع كل ما يروجه الإعلام الحوثي منذ بداية الحرب؟! ثم بمجرد زيارة تنازلت الجماعة الحوثية عن هذه الورقة "العدوان". التي كانت تزايد بها على أتباعها.!
المفارقة الساخرة لا تنتهي هنا. فحتى بعد ورغم تخلي الجماعة الحوثية عن هذه الورقة التالفة فيما يتعلق بالسعودية، ما تزال تلعب بها، فيما يتعلق بـ"الشرعية"، معتبرة أن هذه الزيارة السعودية انتصار للجماعة على الشرعية، وأن الشرعية ما دامت خارج هذه المباحثات، فقد باتت خارج القضية والمشكلة اليمنية.!
والحقيقة أن "الشرعية"، بغض النظر عن من يمثلها، هي قدس الأقداس بالنسبة للقضية اليمنية، ولا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال. هذه البديهية يعرفها الحوثي جيداً، كما يعرفها المجتمع الدولي، ومن جانب "حكومة الشرعية". كان الدكتور "رشاد العليمي"، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قد أبدى دعمه وتشجيعه للوساطة السعودية مع الحوثيين، وأكد تلقي الحكومة اليمنية تحديثات مستمرة من الجانب السعودي بشأن مسار المحادثات، قائلاً: "إن أي اتفاق في نهاية المطاف سيكون بين الحكومة والحوثيين".