بينما كان رجال القوات المشتركة يقدمون في الميدان التضحيات ويسجلون ملاحم بطولية لتحرير مدينة الحديدة، كبرى مدن الساحل الغربي، من مليشيا الحوثي- ذراع إيران جنوب الجزيرة العربية؛ تفاجأ اليمنيون بهرولة وفد حكومي إلى العاصمة السويدية ستوكهولم لإبرام اتفاق مع المليشيا، أنقذها من السقوط وفقدان الرئة في البحر الأحمر ذي الأهمية القصوى للأمن القومي العربي.
 
وكان ذلك الموقف الحكومي مؤشرًا حاسمًا على ترهل الأداء السياسي للشرعية وتفكك جبهة الصف الجمهوري المناوئ للمليشيا الإمامية الإيرانية، ودليلًا إضافيًا على عدم تقدير حجم المعركة وانفصالها سياسيًا عن المقاتلين في الميادين، فخسرت الدولة اليمنية تحرير الحديدة بموانئها، ولم تكسب فك الحصار عن تعز، ولا إطلاق الأسرى، الملف الذي ماطلت فيه المليشيا أكثر من أربع سنوات، كما نص الاتفاق، أواخر العام 2018، فكان أن قدمت الحكومة الشرعية كل شيء للمليشيا دون أي مقابل.
 
كشف اتفاق ستوكهولم عن حالة الضعف السياسي التي تعانيها الشرعية اليمنية، وانحباس الأحزاب السياسية في علاقات أزمة 2011، التي مكنت المليشيا من جرفها جميعًا خارج الفعل والدولة، الأمر الذي دفع المقاومة الوطنية إلى تقييم الوضع السياسي منذ سنة الأزمة مرورًا بانقضاض مليشيا الحوثي على الدولة والمدن اليمنية الرئيسية، ووصولًا إلى إبرام اتفاقات صبت في المصلحة الإيرانية وذيلها الحوثي، وما نجم عنه من قرار تشكيل ذراع سياسي للمقاومة، بمسمى "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية" برئاسة قائد المقاومة العميد طارق محمد عبدالله صالح.
 
منذ اليوم الأول لإشهار المكتب السياسي بمدينة المخا الساحلية في 25 مارس 2021، حرصت المقاومة الوطنية عبر بيان الإشهار وكلمة قائدها، على توضيح الخط السياسي الذي تعتزم انتهاجه من خلال المكتب، بالتأكيد على أهمية التعبير السياسي عن المقاتلين في الجبهات العسكرية، وأن المكون السياسي الوليد أتى كإضافة جديدة للقوى السياسية الجمهورية تستهدف في مسارها العمل على التكاتف والتنسيق بين مختلف المكونات السياسية، وتفكيك مفاعيل الجريمة الحوثية في تدمير العملية السياسية والتعددية الحزبية "بحراك سياسي يعيد الاعتبار للهوية الوطنية ويحافظ على النظام الجمهوري"، وفقًا لبيان الإشهار.
 
وهي مضامين أكدتها كلمة قائد المقاومة الوطنية العميد طارق صالح، في حفل الإشهار، بالتنويه إلى أن المكتب السياسي ليس بديلًا لأحد، وإنما مشروع سياسي يعمل في إطار الشرعية الدستورية ويسعى أن يكون جزءًا فاعلًا في الشرعية بمواجهة العدوان الحوثي واستعادة الجمهورية ومؤسسات الدولة.
 
وفي فترة وجيزة، استطاع المكتب أن يرفد المشهد السياسي بحيوية، على مستوى المزيد من الاستقطاب الشعبي لصالح المعركة الجمهورية مع ذراع إيران الإمامي الحوثي في اليمن، فشكل المكتب فروعًا له في عدد من المحافظات، لقيت ارتياحًا وبيانات تأييد شعبية واجتماعية وعسكرية.
 
وذلك بالإضافة إلى نشاط بارز على المستوى السياسي الخارجي، تمثل بلقاءات قيادات في المكتب بمسؤولين أمميين ذوي علاقة بالمشكلة اليمنية وبسفراء دول فاعلة إقليميًا ودوليًا، وزيارات لعدة دول.
 
واستطاع المكتب السياسي أن يتحول من الشعارات التي كانت متمكنة من الوضع السياسي العام، وأن يترجم توجهاته النظرية في بيان وكلمة الإشهار إلى واقع عملي، بمساعي إخراج العلاقات السياسية من بوتقة أزمة 2011، نحو التفاعلات الإيجابية في المحافظات التي أنشأ فيها فروعًا له، غير امتصاصه محاولات الجر لمعارك جانبية تحرف البوصلة عن المعركة مع مليشيا الحوثي، بأبعادها السياسية والعسكرية والأمنية.
 
وفيما تم تجنيب المقاومة الوطنية ورفاقها في القوات المشتركة، من مفاوضات ستوكهولم، أصبحت شريكًا سياسيًا في أعلى سلطة تنفيذية بالبلد، مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، الذي يعتقد مراقبون أنه استلهم تجربة المقاومة في التعبير السياسي عن المقاتلين، فكان أغلب أعضائه ممثلين سياسيين لمكونات عسكرية ميدانية.
 
* نجل وزير الدفاع في حكومة الجنوب قبل الوحدة

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية