اليمن..حقل الغام إيرانية
لم تشهد منطقةُ الشرقِ الأوسطِ محنةً وخراباً كما شهدته منذ ميلادِ جمهورية إيران التي تُنعتُ بالإسلاميةِ للأسف في أواخر السبعينيات، ليصبحَ ميلادُها ذاك موتاً ووباءً يشمل دول المنطقة برمتها، ومن حينها لم يتضمن دستورُ إيران إلا مشاريعَ التدميرِ الممنهجِ وزعزعةِ الحياة، وزرعِ أذرعها الفارسيةِ المبنيةِ على الإرهابِ والطائفيةِ وتفكيكِ النسيج الاجتماعي والسياسي لأي بلد عربي تستهدفه، وتحويله إلى حديقةٍ خلفيةٍ إيرانيةٍ وبؤرةٍ للصراعِ والمراوغةِ وتهديد خصومها والمجتمع الدولي، وبينما يسعى المجتمعُ الدوليُ لوأدِ طموح إيران النووي، كانت إيرانُ قد أسقطت أربعَ عواصم عربية: بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء إلى حاضرتها، وأسقطت أنظمتها وحولت جمهورياتها إلى سلطات يديرها حرسُها الثوري ويدعم فصائل مليشاوية طائفية، تنفذ مخططات إيران وتستخدم كل أسلحتها من صواريخ وطائرات مسيرة، تزرع الألغام وتفتك بالحرث والنسل، وتجتث الحياة من جذورها تحت شعار "الموت إيراني والتنفيذ محلي" "تحيا الجمهورية الإٍسلامية وتموت شعوب المنطقة"، هكذا تبدو ضحايا إيران رهينة موتها المحتم وإن اختلفت طرقه وتعددت صوره وسالت دماؤه، ولا تشاطرها أو تنازعها أية قوة على الأرض في صناعة الموت وتصديره وبكلفة زهيدة حتى جعلته متاحاً وفي متناول الدول الأربع وتتجرعه شعوبها بيسر وعن كثب.
اليمن بلد الحضارة والحكمة، أصبح ضحية لمشروع إيران الفتاك والقاسي وأتباعها الحوثيين، الأكثر فتكاً وقسوة، وبفضلهم تحولت اليمن إلى حقل ألغام إيراني مميت، يعبثُ بحياة اليمنيين ويهدرها كلَّ يوم وكلَّ لحظة، وسأدع الحربَ في اليمن بكل تفاصيلها جانباً؛ فقد اتسع خُرقُها على الراقع، وسأكتفي بالحديث عما هو أخطر من الحرب؛ عن الألغام التي هدمت الماضي والحاضر والمستقبل، وكلما أرادت عصابة إيران الحوثية أخذ فسحة من الحرب، قامت ألغامُها بمهمة حصاد أرواح اليمنيين لكي تظل روائح الدم منبعثةً دوماً، وذلك تلبية للتركيبة النفسية الإيرانية الحوثية التي تقتات من الدماء وتستكين بتكدس جثث ضحايا الموت المباغت وشبحه المهدد لثلاثين مليون يمني لا يأمنون على حياتهم لبرهة؛ ففي كل خطوة تقع أقدامهم على فتيل عبوة ناسفة ولغم مزروع في كل المدن والأرياف التي دنستها أقدام مليشيات إيران الحوثية وأضمرت للأرواح ألغامها في الشعاب والأودية والمناطق التي كانت تحت سيطرتها وحررت.
تذهب بعض التقارير العالمية المعنية بالألغام إلى أن اليمن شهد أكبر عملية زرع للألغام في الأرض منذ الحرب العالمية الثانية بما يفوق ثلاثة ملايين لغم، ولا يزيح هذا الشك بهذه الحقيقة المرعبة إلا الإحصائياتُ التي تنشرها بعض المراكز والفرق الهندسية التي تتعامل مع الألغام، فقد ذكر المركز الوطني الحكومي للتعامل مع الألغام أنه خلال عامي 2020/ 2021م تم نزع 238.353، أي أكثر من 238 ألف لغم، توزعت على النحو التالي: 3064 لغماً مضاداً للأفراد، 53002 لغم مضاد للدروع، 177.696 مخلفات حرب، 4591 عبوات ناسفة؛ فأي وحشية هذه برأيكم؟! وكم عدد الضحايا الذين أزهقت أرواحهم بسبب هذه الألغام، فعلى سبيل المثال: قُتل في محافظة تعز خلال خمس سنوات بسبب الألغام 842 إنساناً، وجُرح 1486شخصاً ما بين طفل وامرأة ورجل، وصرح مركز مسام السعودي الخاص بنزع الألغام في اليمن أنه انتزع ما يقارب 300 ألف لغم في اليمن، وتتصدر تعز المحافظات الأكثر إحاطة بالألغام، تليها الحديدة والضالع والجوف ولحج وعدن، وأكثر المديريات المليئة بالألغام في الساحل الغربي لمحافظتي تعز والحديدة: "المخا، ذوباب، موزع، الوازعية، الدريهمي، التحيتا، حيس، الخوخة"، كذلك لم تنجُ السواحل البحرية اليمنية من كارثة الألغام البحرية التي فُخِخَت كل شواطئها بما يزيد عن 35000 لغم بحري، هذه مجرد إحصائيات بسيطة، وهناك إحصائيات للأمم المتحدة وللمفوضية الأوروبية ولمنظمة حقوق الإنسان.
وللعلم، فإن مسألة الألغام تعتبرها أذرع إيران الحوثية، التكتيك الأخطر للقضاء على خصومها، فعبرها فخخت المنازل والمساجد والجامعات ودور التحفيظ والمعاهد الدينية والمباني السكنية والمعالم الأثرية والتاريخية وكل ما يمت لهوية اليمن وتاريخه.. فخخت الأرض بألغامها وعبواتها وفخخت العقول بأفكارها وأوهامها وقلبت الحياة رأساً على عقب، جيشت الأطفال واقتادتهم للجحيم حتى كادت المدارس والجامعات أن تفرغ من الطلاب الذين زينت لهم الموت ونفرتهم من التعليم وقطعت مرتبات الموظفين ليبقى الطريق سهلاً للسير في دربها المشؤوم.
فلماذا يا ترى يغض المجتمع الدولي النظر لهذه المسألة، ولا يتعامل بصرامة مع إيران ومليشياتها، ويضاعف جهود الأمم المتحدة للحد من مخاطر الألغام التي تزهق أرواح اليمنيين كل يوم، وبحسب بعض المنظمات، فإن انتزاعها يتطلب أكثر من ثماني سنوات، فما بالك إذا كان زرعها مستمراً للتو؟!