عبدالله إسماعيل يكتب لـ" 2 ديسمبر ": يوم المسند اليمني.. أينا أحق باستدعاء ماضيه؟!
تستدعي السلالة أسوأ ما في تاريخها، وتستجلب خرافات التاريخ وأحقاد الماضي، تتكئ على تفسيراتها العنصرية للدين، وتفرض مروياتها المزعومة المتنافية عقلًا وشرعًا وضرورة مع مقاصد ديننا الإسلامي الحنيف والمبادئ البشرية السامية التي تجعل المساواة على رأس قائمة القيم الإنسانية المتفق عليها.
تُصر هذه السلالة على فرض التفاضل والتمايز العرقي والطبقي بين اليمنيين، وهدفها من كل ذلك: إذلال وسحق الشخصية الحضارية للإنسان اليمني، في محاولة مستمرة لم تتوقف لتبرير خرافة الحق السماوي في الحكم، وتضليل الناس لتركيعهم لمشروعها وسرقة حقوقهم أو تهجيرهم أو قتلهم.
على امتداد مسيرة العصابة الآثمة حتى أبغض تجلياتها اليوم، لم يأتِ أي كاهن بجديد أو فكر قادر على التعامل مع الواقع، وتلبية احتياجات التطور، ولم تتغير مبررات إعلاء قيمة الهدم والقتل والتحريض؛ بل ظلت تلك المنطلقات الماضوية العنصرية وسيلة الكهنوتيين لضرب استقرار اليمنيين وتعايشهم، وآلة مدمرة لتحويلهم إلى عبيد وبيادق وأدوات دمار في مؤامراتها بعدما كانوا أهل تجارة وصناعة وحرفة وحضارة وعلم وفن.
ولأن هذه الجريمة لا يمكن أن تتحقق إلا في بيئة مظلمة قائمة على الجهل والتخلف، عمدت السلالة، ولا زالت لاستهداف حضارة اليمنيين ومحو هويتهم وإبادتهم ثقافيًا بحسب تعبير الكاتب اليمني همدان العليي في كتابه الجريمة المركبة، فدمرت مآثرهم، وأخفت أو أعدمت نتاجهم الفكري، ودمرت مدارسهم وأحرقت مكاتبهم وجوعت علماءهم، واجتهدت لربط تاريخهم ببداياتها، وكأن اليمني لا يمتلك تاريخًا أو إسهامًا حضاريًا؛ بل يربطون النجاة في الدنيا والآخرة بالولاء لهم والعبودية لعرقيتهم وامتلاك رقاب الناس في بلادهم.
في وجه هذه الكارثة المتكررة، تتعاظم ضرورات مشروع الاستنهاض الحضاري، ويتأكد واجب استعادة اليمني لذاته ومكانته، وإيمانه بإسهامه الوازن في كل مراحل التاريخ، وقدرته على تحقيق الإعجاز، إذا انطلق من أسسه الحضارية الصلبة، وإدراكه العميق لطبيعته القادرة على إحداث الفرق والإنجاز.
إن عودة اليمنيين إلى ماضيهم القريب والبعيد، واستحضارهم عِبر التاريخ ودروسه، واستلهامهم عظيم إرثهم الفكري والمادي، ليس هروبًا من واقعهم؛ بل جهد جمعي لمواجهة الاستعداء السلالي، الذي يفرض عليهم غوصًا عميقًا وقراءة واعية لتجاربهم لآلاف السنين، واستدعاء ذكيًا لكل ما يعيد للروح اليمنية إيمانها بذاتها، وقدرتها على التحكم في مصيرها وصناعة مستقبلها، بعيدًا عن خرافات السلالة القاتلة.
تلك المهمة العظيمة كانت حاضرة في أكثر من منعطف تاريخي من صراع اليمنيين مع الفكر العنصري، وكانت وسيلة اليمنيين الأكثر تاثيرًا لمجابهة التغول الكنوتي، واللافت أن رموز ذلك الاستنهاض خلال ألف عام من الصراع، شخصيات لم تجد تناقضًا بين مهمتها وبين الدين، بل وجدت أن انتصارها لهوية اليمني وتاريخه باعتبار ذلك جزءًا من نصرتها للدين وتنزيهًا لسماحته ونقائه من ادعاءات السلالة وعبثها.
وأخيرًا، ونحن نحتفل بيوم المسند اليمني، وتتضافر الجهود لنبش بُعده الحضاري، وما نتج عن ذلك خلال سنوات قليلة من كشف لأسراره وأثره على اللغة العربية وكتابتها، وإبداع اليمني في تكوينه وتشكيله وتطويره، ودوره في حفظ تاريخ اليمنيين ومآثرهم وأساليب حياتهم، يقدم دليلًا مهمًا يؤكد ضرورة استعادة إيجابيات الماضي، لتتعزز شخصية الحاضر، لمواجهة الاستعداء السلالي والبناء للمستقبل.
نستدعي الماضي لنستفيد ونبدع ونبني ونعلي قيم العدل والمساواة، وتستدعي السلالة ماضيها لتفسد وتهدم وتنشر التخلف والعبودية.. فأينا أحق باستراجاع ماضيه؟!