في مثل هذه الأيام تحلُّ علينا الذكرى الخامسة والسبعون لاستشهاد الفارس البطل والشيخ الشهيد/ علي ناصر القردعي، صاحب الفضل الكبير في تخليص اليمن من رأس الأفعى الكهنوتية الإمام يحيى حميد الدين، فاتحاً المجال لسلسلة طويلة من النضالات والكفاحات حتى بزغ فجر السادس والعشرين من سبتمبر وقيام النظام الجمهوري.
 
يغفل الكثيرون عن عظمة هذا الرجل وعظمة ما قام به، كونهم لا يدركون جلياً الوضع السياسي والاجتماعي القائم آنذاك، وحجم الطغيان والجبروت الذي كانت تعانيه اليمن حينها، وكيف كانت الإمامة تسيس شعبها بأشنع أصناف العذاب للدرجة التي يئس فيها المجتمع من التصدي للإمام وزوال جوره، ليحمل القردعي بمفرده همَّ مجتمعه ويسعى لتحقيق حلمه في القضاء على الطاغية دون أن يأبه بالعواقب أو تردعه قداسة الظالم وتخيلات بطشه وفتكه بخصومه.
 
وبالتنقيب عن السيرة الذاتية المقتضبة للقردعي نجد أن شجاعته متقدة ورباطة جأشه فريدة، فهناك أخبار تحكى عنه بأنه نازل النمور وتمكن منها حين أغارت على قطيعه، وجزَّ رأسها ليحملها إلى حاضرة القبيلة، وليس هذا وحسب فقد عُرف عنه أنه كان على الدوام متوشحاً بسلاحه، ولا يفارق بندقيته أينما ولى، حتى إنه عبر بها الحدود، وقصد بها الحجاز لتأدية فريضة الحج، وأن الملك عبدالعزيز بن سعود أبرق إلى حراس الحدود بالسماح للقردعي العبور بسلاحه، ككرامة لعادة الرجل وبأسه.
 
وحين ذاع صيته وطار اسمه بين القبائل التي تغنت بحميته وبسالته فأشعل أمره الحقد والضغينة جوف الإمام يحيى ليختلق له الذرائع والحيل التي مكنته من إيداع القردعي في السجن، لكن الأخير تمكن من الفرار وبلوغ مسقط رأسه رحبة في مأرب، والمثير للغرابة أن علاقته بالإمام كانت تتأرجح بين الصداقة والعداوة، ففي بعض السياقات كان الإمام يدفعه للإغارة على المحميات الانجليزية في الجنوب أكثر من مرة حتى تبين له أن الطاغية كان يرغب بالتخلص منه على يد الإنجليز، لولا أن القردعي كان ذا خبرة ونباهة في شؤون الحرب، لم يمنح الانجليز فرصة النيل منه، ومن حينها عزم دون رجعة على الإطاحة بالإمام مهما كلفه ذلك من ثمن، حتى لو كان حياته.
 
ولا ينكر أحد أن إسقاط الإمام يحيى برصاصة القردعي كان مدعاة لنشوء الثورة الدستورية المجهضة في 1948م، ودافعاً قوياً للسير في طريق إزاحة الكهنوت من شمال اليمن كما تحقق ذلك لاحقاً بثورة سبتمبر المجيدة، ولهذا السبب فإن لهذا الشهيد البطل فضلاً كبيراً علينا، وسيرته البطولية تمثل منبع إلهام يجب اقتفاء أثرها والاعتبار بفرادتها ونحن نخوض معركتنا في نفس الاتجاه الذي خطه القردعي لنا قبل سبعة عقود ونيف، فأبطالنا اليوم في مختلف الجبهات هم أحفاد وامتداد لتاريخ هذا القائد، ومن اللازم علينا أن نكون في مستوى الشجاعة والإقدام والنضال الذي شيده لنا، وما كان يخطر في بال القردعي أن سلاليين جدداً سيأتون بعد سبعة عقود ليرفعوا صور الهالك يحيى حميد الدين ويزينوا بها جدران المتحف الحربي في العاصمة المختطفة صنعاء.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية