في تمام الساعة الثانية عشرة والربع ظهرًا، كانت الحياة وحركة الناس على أشدها، عندما اهتزت الأرض وتحركت الأماكن كلها في محافظة ذمار، يومها حدث زلزال ذمار الشهير، في يوم الاثنين الموافق الثالث عشر من شهر ديسمبر عام 1982 بمديرية ضوران، الواقعة ما بين مديرية معبر ومدينة ذمار، ما أودى بحياة 2800 مواطن، وإصابة 1500 شخص، وتدمير قرابة 300 قرية وتشريد أهاليها البالغ عددهم قرابة سبعمائة ألف.. 
 
يومها، كانت الصدمة واضحة على الرئيس اليمني- آنذاك- علي عبدالله صالح، والحدث لا يمكن التفكير فيه من بعيد، أخذ نفسه، وارتدى بزته العسكرية، وحشد أجهزة الدولة كلها، بطيرانها وعرباتها الطبية، وإمكانياتها ومعداتها وخبرائها وأطبائها، بجنودها ورجالها وإعلامييها وخبرائها، ووزرائها ومكاتبها ومنظماتها، أخذهم جميعًا برفقته صوب منطقة الزلزال بمحافظة ذمار، لم يتأخر بعد الفاجعة، ولم ينتظر ليشاهد العواقب والتقارير الرسمية، لقد كان رئيسًا حقيقيًا للشعب والوطن، فبعد وقت قصير من إعلان الزلزال، اكتشف الجميع في ذمار أن رئيس الدولة يتواجد بنفسه في مناطق الكارثة، ويتنقل في مستشفياتها، ويتحدث مع الناجين من الأهالي والمواطنين، كان ببزته بينهم، جنديًا ينتشل المدفونين، ويحمل الناجين، ويفتش بين بقايا التراب بحثًا عن المصابين. 
 
لم يصدق الناس يومها بأن هذا علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني، بينما يواسي أقارب الضحايا في المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية، كان يتحدث معهم، ويطمئنهم على مصابيهم ويبدد مخاوفهم، كل هذا واضح في مشاهد قناة اليمن الرسمية.. في إحدى اللقطات كان الرئيس علي عبدالله صالح، في إحدى الغرف المزدحمة بالناجين، يمسح على رأس طفل صغير، بينما يقول له بالعامية: اتبخر يا ابني، ولا بينك شي، قلي ايش اسم القرية حقك، ويني امك، وينو ابوك، سعليك سعليك اتبخر.. كان الرئيس يومها طبيبًا نفسيًا يراعي الأطفال، ويتحدث بلهجتهم ويسألهم ليزيل الخوف والرعب عن نفوسهم، ثم يخرج للتجول في الممرات، ليقابل الملقين على الأرض ويقول لهم: لا تخافوا ولا تقلقلوا، قد ادينا الدولة كلها عندكم هانا، وما عنتركم الا وقد تطمنا عليكم.. ثم يأخذ نفسه ويقابل آخرين، ثم يغادر المستشفى ويذهب للقرى المنكوبة، يقابل الرجال والنساء والعجائر الخائفين، يتحدث إليهم ويخفف عنهم.
 
كانت الحراثات الكبيرة تقوم بواجباتها، والمعدات  مع فنييها تؤدي واجباتها، وكاميرات الإعلام تغطي كل تفاصيل أضرار الزلزال.. الكاميرات تصور من الأرض.. هذه مشاهد خالدة، وبعد كل شيء، أمر الرئيس صالح بتوزيع المساعدات الإيوائية العاجلة على الأهالي، وصلت الفرق المعنية بالأمر، ووصلت المواد العاجلة بكميات كبيرة وكافية، ارتص الناس للاستلام، واقترب الجميع من أماكن التجهيز، ليتقدم الرئيس بنفسه عمال التوزيع، كان يقدم المواد للأهالي ويواسيهم، يعطيهم المواد ويصبرهم، يعطي الجميع، ويعزي الجميع، كانت الدولة آنذاك كلها مستنفرة، برئيسها وحكومتها وكل العاملين فيها، لم يكن للحواجز والموانع والحراسات أي دور في منع جهود الإنقاذ والإغاثة، كان الجميع هناك عمال إغاثة ومقدمي إعانة، يوزعون المواد والخيام الإيوائية، ثم يقومون بنصب الخيام وتجهيزها للساكنين، وهكذا انتهى اليوم الأول بمعية رئيس الدولة، بعد تأكده من انتشال الضحايا وإسعاف الجرحى، وإيواء المتضررين، ليغادر للحديث عبر التلفاز وتطمين المواطنين في مختلف المحافظات، والإجابة عن وكالات الإغاثة الدولية وبرقيات المساندة من رؤوساء الدول الأخرى، ويتأكد بنفسه من وصول الطائرات والتبرعات الخارجية. 
 
وفي اليوم الثاني من الزلزال، كان الرئيس صالح متواجدًا في مخيمات المتضررين منذ ساعات الصباح الأولى، برفقة الدولة برمتها، كانت المشاهد كلها تعكس نوعية رجل الدولة الوفي لشعبه ومواطنيه، بعدها لم يغادر، ولم يركب طائرته ليعود، بقي لعدة أيام أخرى في ذات المكان، يشرف بنفسه على جهود الإيواء والتعويض، كان يتجول ما بين خيام الأهالي، ليحذرهم من حدوث هزات ارتدادية خلال الأيام القادمة، كان يتأكد من عدم عودة الأهالي إلى بيوتهم خشية تكرر الزلزال، هذه خلاصة موثقة عن أحداث زلزال محافظة ذمار، وعن الرئيس الإنسان آنذاك. 
 
بعد أيام من حدوث الزلزال، استمرت الجهود الرسمية لتعويض المتضررين، وقامت الدولة ببناء المنازل وتجهيزها وتوفير الأطعمة والبطانيات والمواد المعيشية اللازمة، لم يشعر المواطنون يومها بأنهم متروكون بلا دولة، ولم يواجهوا مصيرهم بمفردهم، كان رئيسهم معهم، ودولتهم ترعاهم وتطمئن عليهم، هذا الفعل الرسمي المسؤول بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح، لم يكن معزولًا عن أمثلة أخرى، أو استجابات مماثلة؛ ففي حضرموت عقب حدوث فيضان كارثي هناك، كان الرئيس علي عبدالله صالح في ذات المنطقة بعد وقت قصير من حدوث الفيضان، وقامت الدولة هناك بواجباتها، تمامًا كما حدث عقب زلزال محافظة ذمار، وفي مكان آخر قرب العاصمة صنعاء، بمنطقة بني مطر على وجه التحديد، عندما حدث انهيار صخري على رؤوس الأهالي، مخلفًا ضحايا بالعشرات، كان الرئيس صالح يقدم لهم الإنقاذ والإيواء، ولم يتركهم بعد الكارثة حتى بنى للمتضررين بيوتًا جديدة أكثر تطورًا وقوة من بيوتهم المدمرة. 
 
هذه خلاصة، ونماذج مؤكدة عن الرئيس اليمني السابق، عن رئيس اليمنيين الأخلد، الرئيس الإنسان، والقائد المتواضع، والرئيس الأخير لجميع اليمنيين، رحمة الله عليه، وعلى خيالاته المحفورة في ذاكرة اليمنيين الأبدية، عن الدولة، ورجال الدولة، ومهام الدولة، وعظمة الدولة وأجهزتها الخدمية والوطنية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية