قابلت معظم المثقفين والسياسيين والصحفيين والإعلاميين الذين تصدروا وكانوا جزءًا من ثورة 2011، معظمهم نادمون جدًا من فعلهم الثوري تجاه النظام والدولة، نادمون بطريقة أو بأخرى، عدا المستفيدين من ثورة فبراير ومن أضوائها ومِنحها وصلاحياتها، وهنا مازلت أتذكر كلمة صادقة لأحد أبرز الصحفيين في اليمن عندما سألته عن ثورة التغيير كونه جزءًا من رموزها، يومها قال بصحيح العبارة: أنا لا أفهم، ولا أعلم، ولا أعي أبدًا، كيف استطاعوا إغواءنا بعبارات وشعارات غايتها إسقاط النظام؟! كيف فعلنا هذا بأيدينا؟! كيف أسقطنا نظامنا بأيدينا؟! لنصنع من بعد النظام غابة! تبًا لأيدينا وألف تب! نحن- المثقفين- كنا أكثر غباءً من الناس العاديين، أكثر بكثير مما تتوقعون. 
 
وسياسي يمني آخر، يقول في لمحة من آسى النكران بعد سنوات طويلة من الفعل المتطرف تجاه الدولة والوطن، يقول: في شارع الستين بصنعاء، بعد جولة عصر بقليل، هل تشاهدون ذلك المبنى المهيب، والقبة العظيمة، المبنى الذي كان مخصصًا لمجلس النواب، هل تشاهدون ذلك البناء الضخم؟! وجواره مبنى وزارة الخارجية؟! تلك آثار الدولة التي كانت قائمة، لن يستطيع أحد محوها، أو إكمال ما بدأته، لو اجتمعوا عن بكرة أبيهم، ماذا فعل اللاحقون لتشهد لهم السنين القادمة؟! لا شيء! فكل الآثار تشير إلى الدولة الماضية، وما عداها مشاريع ترقيع تبعث على الشفقة والضحك. 
 
يضيف أحد الصحفيين من ناحية أخرى قائلًا: هل تشاهدون مهرجانات موسم الرياض، وذلك التباهي الأسطوري بالمسارح الفنية الاستثنائية؟! سأقول لكم شيئًا: ادخلوا على يوتيوب، واكتبوا في خانة البحث "مهرجان محمد حماقي بصنعاء"، ادخلوا فقط لتشاهدوا كيف كانت صنعاء في عام 2002 تقيم مهرجانات كتلك التي في موسم الرياض اليوم، كان ذلك قبل عشرين سنة، في زمن الدولة التي كنا نقول عنها فاسدة ومتخلفة.. ومن جانب آخر، يقول صحفي كان مقربًا من الإخوان المسلمين: حينما قرر الإخوان المسلمون إسقاط النظام، كانوا قد قرروا مواجهة الدولة، بحُجة علي عبدالله صالح، ولكنهم اليوم في أقصى مراحل الندم والإنكار، يضيف قائلًا: علي عبدالله صالح في زمنه أعطى التجمع اليمني للإصلاح أرضًا بحجم مدينة كاملة ليقيموا عليها جامعة أكبر من كل جامعات الوطن، أعطاهم بلا خوف على مذهبه أو توجهه وتنظيمه، وجعلهم يفتتحون مدارس أهليه بكل أرجاء الوطن، وأعطى السلفيين مباني ومساجد للتعليم والدراسة، وأعطى الزيدية مراكز ومدارس، وأعطى الجميع الجميع فعلًا، لم يمنع أي طرف منهم من الالتحاق بالمعاهد والجامعات والمنح الخارجية، حتى أنهم احتكروها على شبابه المؤتمريين آنذاك، وأبدًا لم يسلب عنهم منحهم ومقاعدهم ليعطيها لشباب المؤتمر، ولم يحتكر المعاهد العليا للقضاء والسياسة والدبلوماسية لخاصته، لكنهم فعلوا بعده ما لم يفكر به فرعون وشلته.. حينما حكمونا، احتكروا، ومذهبوا، وجيروا، ونهبوا، وتقاسموا وصنعوا فينا كل الموبقات اللعينة، لقد احتكروا علينا كل شيء من الدولة وثروتها وبقاياها وتركونا نرجوهم طيلة الأعوام من أجل نصف راتب.. كان لدينا دولة، بغض النظر عن المساوئ واللتهامات، لكنها آخر المؤسسات التي عرفناها، وعرفوها هم قبلنا، أخشى أن يكون علي عبدالله صالح هو آخر الروساء الحميريين، الرؤساء الذين يشبهوننا ويشبهون آباءنا وأحلامنا وحياتنا.
 
بإمكاننا أيضًا إدراك أن صمت الناس وخوفهم المتراكم والمتزايد يخفي عن الآخرين قراءة جديدة وحقيقة تتوسع كل يوم، حقيقة أن غالبية اليمنيين يترحمون على دولة علي عبدالله صالح في كل ذكرى وطنية أو شعبية، وفي كل وقت يتذكرون فيه حالهم وحال الوطن، يترحمون عليه وعلى طريقته وسياسته، وفكرتهم عن رجالاته الذين غادروا إلى الخارج أو الذين بقوا هنا في الداخل، لا تكاد تتجاوز مربع كفاءات الدولة ورجالاتها والشكل السياسي المرن والمتزن، الشكل البعيد كليًا عن الاستغلال الفاضح والتسخير الممنهج للدين والمذاهب.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية