عبدالله ناجي القيسي، من الهامات والقامات، وأكاديمي كبير وكان يشغل ذات وقتٍ نائب مدير شرطة تعز، ثم نائب رئيس أكاديمية الشرطة في الوقت النبيل.. شخص من النخبة.. يُغتال بدم بارد في مدينة تعز، وتخسر تعز نخبويًا وعظيمًا وكبيرًا.. 
 
قبل فترة، كنت مع نجله ووددت منه زيارة والده.. اتفقنا على ذلك.. وفاتتني الفرصة.. وفوجئت اليوم باغتياله.. هو يمت لي بقربى ودم.. له الرحمات. 
 
البكاء هو اغتياله بدم بارد، حتى لم أجد من يتحدث عن هذه الجريمة.. وكأن قتل الشخص المعتدل والنخبوي والأكاديمي لا يهم أحداً.. كان يجب أن يكون متهبشاً ومفصعاً وقاتلاً ليعرفه كل الناس، ولكن مثل هذه القامات لا يعلم عنها أحد، فهذا الرجل، هذا الضابط، هذا الأكاديمي غادر صنعاء وفضّل البقاء بمدينته (تعز) على أن يصبح حذاء للكهنة، وعرضوا قبل سنوات عليه المناصب الكثيرة ولكنه رفض وفر بروحه إلى حيث الحرية، ولم يكن يعلم أنه يفر إلى موته واغتياله بشكل مشبوه، ولا ندري ماذا حدث!
 
مؤسف هذا التجاهل المريع لاغتيال الدكتور عبدالله ناجي القيسي.. ربما اللقب.. هذه السنوات وتفاصيل الحرب نالت من بلادنا الواقعة تحت الاحتلال الحوثي، وبحماقات بعض أهلها الجهلة؛ فلكل بلاد جهلة وسفلة، وثم بتشويه ممضّ من أطراف كثيرة تحول كل حامل للقب قيسي أو مخلافي إلى شخص لا يستحق الرثاء والانتباه له حياً وميتاً.. 
 
وقد عانيت كثيراً من لقبي، ولا زلت أعاني؛ ولكن اغتيال الأكاديمي والعميد عبدالله القيسي آلمني.. ذهب كأنه لم يكن.. صاحب المؤلفات بالقانون والدكتور وشاغل المناصب الأكاديمية..
 
والأهم الذي أريد قوله: نُخب وكبار وعظماء وأسماء كبيرة في العلم والأكاديميات وفي جامعات البلاد والعالم وفي كل مجالات هذه الحياة من أبناء مخلاف.. لا تعرفونهم، لكن اليمن تعرفهم جيداً.. قد أكون أخالف القيسي برأي وميول، ولكن لا يعني ذلك عدم الاعتراف بعقلانيته وكونه يمثل الجانب المشرق من بلادي وأهلي، وبحجم هذا الوجع أجدني أخاطب الناس في تعز وكل اليمن: تريدون معرفة العنصر السيئ من بلادنا فقط، وتتجاهلون العنصر الحسن، ووددت لو تعثرت بنعي من مسؤول أو تشييع يليق به هنا في الفيسبوك من الذين يداومون ليل نهار، ورأي عام يطالب السلطة بمعرفة ملابسات اغتياله واهتمام حزبي من هذه الأحزاب الكثيرة.
 
اغتيل، صباح أمس، وأغلب الناس يجهلون خبر اغتياله إلى اللحظة، ومدينة المليون مفسبك لم تتحدث عنه وكأن من الغريب تداول اسم كبير يأتي من بلاد مخلاف.. وقد صارت هذه البلاد معيرة.. وسأربط هذه الحالة بحالة أخرى: أبحث منذ أشهر عن شقة في تعز، وكل شروط مالكي البيوت ألا تكون مخلافياً!! هذه تؤلمني.. تتعسني.. من قال لكم أننا أبناء مخلاف وشرعب عبارة عن لصوص ونهابة وبلا ضمير؟!
 
شخص واحد لا يمثلني.. لو تدركون حقيقة الناس وكرامتهم وصدقهم لأنصدمتم، ولما كنتم بكل هذه العنصرية ضد بلاد كبيرة جليلة.. ولا أنكر أن هناك قلة شوهت ببلادي، قلة تافهة.. كانوا هم التشويه الممض لبلادنا.. بعض أبناء البلاد شوهوا وكدوا وأكدوا هذه النظرة وتكفل تهويل الناس بالباقي، ولصقت المعيرة بنا حتى أمسى اغتيال عبدالله القيسي شيئاً لا يُرثى، والحصول على شقة سكنية في مدينة تعز من المستحيلات، وأنت تبحث عن صديق من بلاد أخرى يساعدك ويستأجر لك باسمه شقة في مدينة هي مدينتك!!
 
مؤسف يا بلادي.. هذا مؤسف، وستزول بإذن الله هذه الوصمة.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية