جاء في بيان، صدر الثلاثاء الماضي، عن المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس جروندبيرج، بشأن تمديد الهدنة في البلاد شهرين يضافان إلى أربعة شهور سابقة، "إنَّ مقترح الهدنة الموسّع هذا سوف يتيح المجال أمام التوصل إلى اتفاق على آلية صرف شفافة وفعّالة لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين بشكل منتظم"، الأمر الذي أثار ارتياحاً حذراً بين الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية التي قطعت مرتباتهم منذ ست سنوات، وفي ذات الوقت أبرز تساؤلات عن مدى جدية المليشيا في معالجة هذا الملف الإنساني.  
 
في العام 2014 بلغت مستحقات بند الأجور والمرتبات وما في حكمها، لجميع موظفي الدولة، 75 مليار ريال شهريا، منها نحو 41 ملياراً مرتبات أساسية.
 
ووفقاً لمساحة السيطرة السكانية والوظيفية، يخضع لمليشيا الحوثي التابعة لإيران حوالى 60 بالمئة من الموظفين الحكوميين، ما يعني أن فاتورة المرتبات تكلفها ما بين 24- 45 مليار ريال شهرياً، حسب كشوف 2014، إلا أن المليشيا فصلت أكثر من 20 بالمئة من الموظفين المدنيين والعسكريين بذريعة الانقطاع عن العمل، حسب معلومات مصادر مطلعة في الحكومة الحوثية غير المعترف بها، لتكون الفاتورة الفعلية لمرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثي ما بين حوالى 20- 35 مليار ريال شهرياً أو 420 ملياراً في السنة كسقف أعلى، وهو رقم يطابق ما حصلت عليه "وكالة 2 ديسمبر" من معلومات أفاد بها مصدر مطلع في العاصمة صنعاء الخاضعة للمليشيا.
 
تقارير عدة قدرت الإيرادات الحوثية بنحو التريليون و200 مليار ريال، على الأقل، بينها تقرير للخبراء الأمميين المعنيين باليمن، الذي قدر تحقيق المليشيا 1.8 مليار دولار في العام 2020 (تريليون و80 مليار ريال، طبقاً لأسعار الصرف في المناطق الحوثية)، ما يؤكد قدرة مليشيا الحوثي على تغطية فاتورة مرتبات الموظفين الخاضعين لسيطرتها.
 
في خطتها للإنفاق قدرت المليشيا تكلفة جبهاتها القتالية بـ15 مليار ريال شهرياً العام 2017، وبفرضية ارتفاع الكلفة إلى 40 ملياراً، فإن أكثر من 300 مليار ستبقى تحت تصرف قيادة المليشيا، بعد دفعها للمرتبات، وتكاليف جبهاتها. ما يولّد سؤالاً مهماً حول مصلحة قيادة الحوثيين في الاستمرار بقطع المرتبات أو إعاقة أي اتفاقات جدية بشأنها، كما حصل مع البند الخاص بالمرتبات في اتفاق ستوكهولم، ورفض توريد العائدات الرسمية إلى البنك المركزي في عدن لتمكين الحكومة الشرعية من دفع مرتبات الموظفين في جميع المناطق اليمنية.
 
يجيب مهتمون بالأوضاع المالية والنقدية، أن المشكلة تتعلق بكون قيادات المليشيا الحوثية تتصرف كعصابة وليس كسلطة.
 
ويشرحون رؤيتهم بالقول: إن المليشيا تتعمد حرمان أزيد من مليون و200 ألف موظف يستفيدون بصورة مباشرة من الإنفاق الحكومي على المرتبات التي تتحول بعد إنفاقها التالي من قبلهم إلى مصادر دخل لغير الموظفين كالمزارعين وصغار التجار والعمالة الحرة أو المؤقتة، وعمالة القطاع الخاص، ومن ثم يستفيد منها ضعف أفراد الأسر التي يعولها الموظفون الحكوميون، ليتجاوز المستفيدون الفعليون من المرتبات، بشكل مباشر وغير مباشر، أكثر من نصف السكان.
 
وأشاروا إلى أن قطع المرتبات عن هذا القطاع السكاني الكبير، يخلق بيئة من الفقر المدقع والبطالة، تناسب عملية استقطاب مقاتلين لجبهات المليشيا، بمقابل مبالغ زهيدة.
 
ويضيف المهتمون، إن جانباً آخر ومهم يتعلق بالموجودات من العملة الصعبة الواقعة تحت تحكم المليشيا الحوثية، إذ إن سياسة الاكتناز في "البدرومات" ومنع تدفق المرتبات، يرفع المسؤوليات الدولية الإنسانية، ويحفز المغتربين اليمنيين لزيادة إرسال إعانات إلى ذويهم في الداخل.
 
تصل المساعدات الدولية لليمن خلال سنوات الحرب التي أشعلتها المليشيا إلى ما يزيد عن 4 مليارات دولار في المتوسط سنوياً، نسبة كبيرة منها مساعدات عينية.
 
مثل المبلغ السابق يأتي عن طريق تحويلات المغتربين، حسب البنك الدولي، أو ما يزيد على 5 مليارات دولار، وفقاً لتقرير صدر العام الماضي عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط في الحكومة اليمنية الشرعية.
 
من هذه المبالغ تتراوح حصة المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا ما بين 5- 6 مليارات دولار، نصفها في معظمه على شكل مساعدات عينية تخفض كلفة فاتورة الاستيراد على المليشيا، وتحد من نزوح العملة الصعبة من مناطق سيطرتها إلى الخارج.
 
وإذا كان هذا المبلغ قادراً على تغطية فاتورة الاستيراد في المناطق الخاضعة للمليشيا، فإنه يضعها على مائدة، وإن بحد أدنى، من الأمان الاقتصادي، بعكس ما إذا انخفض بنسبة كبيرة، تجعل الاقتصاد الحوثي تحت رحمة الحكومة الشرعية إلى حد كبير.
 
ويؤكد المهتمون بالشأن المالي أن دفع القيادة الحوثية للمرتبات، سيقلل، من جهة، حاجة السكان للمساعدات الإغاثية الخارجية، ما يحمل الموجودات النقدية الصعبة لدى المليشيا التعويض لاستيراد فارق النقص في المساعدات، ومن جهة ثانية، سيخفض من مقدار التحويلات النقدية للمغتربين.
 
ويقولون إن رفع التدفق النقدي من العملة المحلية بموازاة تقلص العائدات النقدية من العملة الصعبة، سيؤدي إلى انهيار الريال اليمني في المناطق الحوثية بشكل غير مسبوق، ويفجر موجات غلاء وتضخم هائلة، وما يجره ذلك من تزايد في سلسلة التدهور الاقتصادي وانعكاساته المحتملة على إشعال الفتيل الشعبي ضد العصابة الحوثية.
 
ويزيدون بأن قيادة المليشيا كذلك، ستقل قدرتها في بناء اقتصاد موازٍ، ويضعف طاقة قطاع الأعمال الخاص بها على النمو وتمويل عملياته التجارية الخارجية، وستتقلص قدراتها الاستثمارية في الخارج مع الدول والجماعات النافذة المساندة لها، كتمويل استثماراتها في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. بجانب تقليص الدور الحوثي في شبكة الالتفاف الإيراني على العقوبات الاقتصادية الدولية والأمريكية.
 
تفضل المليشيا الحوثية، بعدم دفع المرتبات، تذمراً شعبياً مدعوماً بالحرمان ثمناً لبقاء قوتها، على صرف مستحقات الموظفين مع عدم ضمان تذمر أوسع يرافقه ضعفها وما يستتبعه من تفجر ثورة عارمة ضدها.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية