لا تزالُ لغةُ المهادنة التي تُصاغ بها تقارير المنظمات الدولية تجاه الأزمة في اليمن، مثار اعتراض بين الناشطين والحقوقيين والعاملين في الحقل الإنساني، في ظل غياب معيار الشفافية والوضوح في تقييم الأحداث تبعًا لما هو واقعي، ومجانبتها للحقائق الدامغة، التي تُعرض بشكل ضبابي مُنافٍ للمنطق، بالذات فيما يتعلق برصد الانتهاكات وتجنُّب الإشارة إلى الجهات المسؤولة عنها.
 
تجاهل الحقائق
 
كانت منظماتٌ وهيئات حقوقية قد توّجت انتهاء الفصل الأول من الهدنة برصد مسلسل الأحداث على مدى 60 يومًا، وأشارت إلى آلاف الانتهاكات وعشرات الضحايا الذين سقطوا في فترة الهدنة في عمليات قصف وانفجارات ألغام واستهداف بالقنص من قِبل مليشيا الحوثي، غير أن تقريرًا أوردته مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بدا مجافيًا للواقع ومنقوصًا من أهم المعايير التي يُعمل بها في مجال الرصد الحقوقي.
 
 التقرير الذي أدلت به المتحدّثة باسم مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ليز ثروسيل، لفت إلى "معلومات أولية تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 19 مدنيًا وإصابة 32 آخرين في حوالى 20 حادثة عنف مرتبطة بالنزاع"، إذ سبق وأن أكد المرصد اليمني للألغام أن هذه الحوادث الدامية التي رافقت الهدنة ناتجة عن "ألغام زرعتها مليشيا الحوثي" بيد أن المنظمة الأممية تجاهلت هذه الحقيقة الدامغة.
 
بيان "عجيب"
 
وعرج تقرير المفوّضة إلى "استخدام الألغام الأرضية على نطاق واسع، على الرغم من آثارها العشوائية، وانتشار الذخائر غير المنفجرة لا سيما في الحديدة (...) وحوادث إطلاق نار من قِبل قناصة أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم امرأة، وإصابة مدنيَّيْن اثنَيْن أحدهما فتًى، في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة بالقرب من الجبهات في محافظتَي الضالع وتعز".
 
وفي حين أن التقارير الحقوقية أشارت إلى هذه الحقائق مع تحديد المسؤولين عنها في إشارة واضحة إلى مليشيا الحوثي؛ استعرض تقرير المفوّضة هذه الأحداث بشكلٍ رمادي سريالي جانب الصواب وأخلّ بأهم معيار في عملية التتبع والرصد الحقوقي، الأمر الذي أنتج ردود فعل ناقدة اعترضت على لغة المهادنة الواردة في التقرير وتمييع الحقائق ومداراة المسؤولين عن الانتهاكات وأعمال العنف.
 
ووصف الحقوقي فيصل المجيدي البيان بـــ"العجيب"؛ لافتًا إلى أن "الجميع يدرك أن الحوثي هو من يزرع الألغام ... ويرفض إعطاء الخرائط ويزرع مزيد من الألغام، والأعجب من ذلك أن الأمم المتحدة تدعمه لإزالتها".
 
تضليل 
 
وأشار المجيدي إلى أن البيان يتحدث عن انتهاكات للهدنة لكنه مرر مفاهيم سياسية تُخرج المفوضية عن أهداف إنشائها والتي من أهمها التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان؛ مُستطردًا: "البيان أشار إلى سقوط ضحايا مدنيين جراء الألغام والأجسام المتفجرة وكذا استهدافهم بالقصف إلا أنه تحاشى ذكر الجهة المسؤولة عن ذلك مع أن كل التقارير والمؤيدة بالأدلة القاطعة تؤكد أن الحوثي هو المسؤول عن زراعة الألغام، لكن البيان قال إن الضحايا سقطوا في مناطق الحكومة".
 
من جانبه، اعتبر رياض الدبعي- وهو راصد حقوقي- البيان  عملاً غير مهني وعدم حياد تمارسه المفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن؛ في حين ذكر الصحفي والمخرج عبدالله إسماعيل أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان "مارست كثيراً من التضليل وإصدار التقارير غير المحايدة، والمنحازة كلياً لصالح تبرئة جماعة الحوثي الإرهابية من جرائمها المؤكَّدة، بحسب تقارير الأمم المتحدة نفسها". 
 
إحاطة ضبابية 
 
وكانت وزارة حقوق الإنسان قد أصدرت بالأمس بياناً اعتبرت فيه أن بيان المفوضية "أسلوب مضلل ... وإحاطة إعلامية ضبابية ساوت من خلالها بين الحكومة الشرعية  الملتزمة بشروط الهدنة ومعها التحالف العربي الداعم لها وبين مليشيات الحوثي التي ارتكبت خلال فترة الهدنة آلاف الانتهاكات، وتم الذكر في سياق مشترك هدفه أن تبدو الأمور وكأن الطرفين مشاركان في ذات الانتهاكات".
 
واستنكرت الوزارة "هذا الأسلوب المضلل من قِبل مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي لو أنصفت وتحدثت بلغة حقوقية صادقه جادة لأوضحت للرأي العام الدولي كيف أن هذه المليشيات قامت بكل هذه الانتهاكات التي كانت كافية لإفشال الهدنة لولا حرص وصبر الحكومة".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية