استراتيجية التطويع عبر الإرهاب وإذكاء الصراع.. كيف تنهش مليشيا الحوثي قوة القبيلة؟
في إطار محاولاتها إحكام قبضتها على القبائل وتطويعها، عملت مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيًا، طوال الأعوام الماضية على تغذية الصراعات والتناحر بين القبائل، خصوصا تلك التي لا تنصاع لها، ولا تتفاعل معها في التحشيد للقتال في الجبهات.
ومن أجل إشعال فتيل الصراعات القبلية، تتعمد المليشيا استحضار الخلافات القديمة بين القبائل، لاسيّما الثارات، بجانب خلقها عداوات جديدة فيما بين تلك القبائل بهدف إضعافها، وضربها بعضها ببعض. بحسب مراقبين، ومصادر أخرى مطلعة تحدثت لـ"وكالة 2 ديسمبر".
وتعمل مليشيا الحوثي الإرهابية على تغذية الصراعات القبلية، وإشغال القبائل بخلافات أبناؤها في غنى عنها، وذلك - وفق قول المصادر في حديث لـ"وكالة 2 ديسمبر الإخبارية" - في مسعى منها لمنع القبائل من الانتفاض ضدها ومواجهتها.
وفي إطار سعيها المتواصل والدؤوب، الهادف إلى تمزيق المجتمع، وتدمير النسيج الاجتماعي كليًا، تستمر المليشيا في خلق الصراعات والفوضى في مختلف مناطق سيطرتها، لاسيّما في إطار المجتمع القبلي الذي حولته إلى مجتمع متناحر فيما بينه بعد أن عجزت عن إخضاعه لمشروعها الطائفي.
ذمار نموذجا
وعلى مدى السنوات الماضية، ومليشيا الحوثي الإرهابية تغذي الحروب القبلية بين القبائل، التي تقع معظمها جراء ثارات وخلافات على الحدود والأراضي، لاسيّما بمحافظة ذمار، وسط اليمن.
محافظة ذمار كان لها نصيب كبير من مخطط المليشيا، عبر تفكيك نسيجها القبلي، إذ شهدت المحافظة طوال أعوام مواجهات بين القبائل أذكت نيرانها هذه المليشيا، وما زالت هذه الصراعات مستمرة حتى اللحظة، لا سيّما في مديرية الحدا التي شهدت مئات المواجهات القبلية.
وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت نسبة الحروب والاشتباكات القبلية في مديرية الحدا، لتكون مع ذلك أكثر المديريات التي تشهد حروبًا قبلية في المحافظة، خلفت المئات من الضحايا طوال السنوات الماضية.
وشهدت المديرية، السبت 7 مايو/آيار الجاري، مواجهات قبلية، دارت بين أبناء منطقة بني جرشب "عبيدة"، وبين أهالي منطقة بني محمد علي "النصره"، وهي المواجهات
التي اندلعت في أول أيام عيد الفطر المبارك، بتغذية من مليشيا الحوثيين.
المواجهات القبلية التي أسفرت حتى اليوم عن مقتل نحو ثلاثة أشخاص، واستخدم الجانبان خلالها مختلف الأنواع من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، تؤكد المصادر أن محافظ المحافظة المعين من قبل المليشيا الحوثية المدعو "محمد البخيتي" ومدير أمن مديرية الحدا، ومدير أمن المحافظة المعينين من الحوثيين هم من يقفون وراء تأجيجها.
ووفق المصادر فقد أفشلت قيادات حوثية في وقتٍ سابق مساعي ومحاولات وجهاء قبليين من الحدا وخولان لوقف الحرب بين الجانبين في تلك المنطقة التي تضم 10 قرى، محذرةً في ذات الوقف من مخاوف كبيرة بين سكان وأهالي الحدا، من توسع الحرب جراء التعصب القبلي.
وأكدت أن المليشيا تعمدت تغذية هذا الصراع وحرصت على استمراريته حتى اليوم، من خلال تنصلها عن مسؤوليتها في فض النزاع، وحل أسباب الخلاف بين الطرفين، وذلك بحكم سيطرتها على السلطة المحلية وأجهزتها الأمنية والعسكرية في المحافظة.
أساليب حوثية
كان هناك العديد من الطرق والأساليب التي انتهجتها المليشيا، في استهدافها القبائل، ومنها أنها قامت بتهميش مشايخ القبائل المهمين، والدفع بأشخاص بدلاء ليس لهم وزن قبلي، محسوبين عليها ويدينون بالولاء والطاعة لها.
ويبقى الهدف من ذلك التحكم في القبائل للاستمرار في الزج بالآلاف من أبنائها في حروب المليشيا الخاسرة منذُ العام 2014م.
كما استخدمت المليشيا، مع القبائل التي لم تنصع لها - بحسب المصادر - أساليب الترهيب من خلال كسر قوتها وسلب مكانتها واتهامها تارةً بـ"الخيانة" وتارة بـ"الارتزاق" لما تسميه بـ"العدوان الخارجي"، بالإضافة إلى تخويفها وإرهابها باعتقال أبنائها وزعمائها وقتلهم ومصادرة أملاكهم أو تجريدهم وعزلهم من مناصبهم.
ولجأت مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران إلى شراء ولاءات بعض مشايخ القبائل بالمال، أو المناصب، أو ترقيتهم بالرتب العسكرية وهو الأمر الذي أدى - وفق قول المراقبين - إلى حالة من الانقسامات داخل القبائل، ما ساهم في خلق التوترات، والصراعات داخل الكيانات القبلية.
هيكلة القبيلة
ومن أجل إتمام المخطط الحوثي في ضرب القبائل غير الموالية، لاسيّما تلك التي تشكل نفوذا واسع النطاق في اليمن، عمدت المليشيا إلى هيكلة القبائل وتفكيكها، من خلال تشكيل ما يسمى "مجلس التلاحم الشعبي القبلي" وتحت شعارات "استعادة دور القبيلة في الحفاظ على المجتمع اليمني من الانجرار وراء الفوضى" و"الحفاظ على أمن، واستقرار اليمن، والدفاع عن سيادة أرضه" وكذا "منع استخدام القبيلة كأداة للتخريب ونشر الفوضى وعدم استخدام القبيلة أو استثمارها من قبل أي جهات خارجية".
وحينها أجبرت المليشيا عددًا من شيوخ القبائل في اجتماع لذلك المجلس ترأسه القيادي الحوثي المدعو ضيف الله رسام، وهو أحد مشايخ محافظة صعدة، الذين يدينون بالولاء والطاع للمليشيا، على التوقيع على وثيقة تتضمن تلك الشعارات، وباستخدام وسائل الترغيب والترهيب عليهم.
وفي ذلك الوقت - تقول مصادر مطلعة - انخدعت بعض تلك القبائل بهذا الكيان المسمى مجلس التلاحم الشعبي القبلي، لكنه ظهر جليًا لها أن مليشيا الحوثيين الإرهابية، استخدمته كأداة للسيطرة على القبائل، ثم تحويلها إلى خادمة للأجندة الإيرانية.
خطى الماضي الإمامي
وعلى خطى الآباء والأجداد الإماميين لم تترك المليشيا الحوثية وسيلةً في سبيل تدمير اليمن، وبذر الفتن المختلفة فيها إلا واستخدمتها من أجل تحقيق ما تصبو إليه، وخاصة تلك الأساليب، والوسائل التي تؤجج الصراعات بين المكونات، والقبائل، وتضعف الشعب الذي تجعله في شغل دائم بالثارات، والأزمات، والمشاكل، ثم الصراعات غير المنتهية.
وهدفت المليشيا ومازالت، من خلال إثارة الصراعات، إلى تركيع القبائل وامتطاء الشعب الذي عيشته دمارًا وحربًا، باستخدامها سياسة من سبقوها من الإماميين "فرق تسد".