كانت جمعة ، صلينا عيد الأسبوع، وجدي عضو البرلمان كان في البلاد، انتقلنا بعد طعام الغداء إلى الدار، هناك سوف نخزن، مع أهل البلاد، كان جدي ومرافقوه وكهول البلاد، والشباب، أنا ، وطفقنا نناقش كعادة كل ديوان مقيل في اليمن مجريات الشوارع ، الفوضى وتلك الأحداث المؤلمة في كل رقعة تحت سماء هذا الوطن ، وكالعادة يحاول جدي أن يبعد الفاجعة عمن هم حوله حتى تأكد من نجاة الرئيس ثم أخبرنا : تعرض الرئيس لقصف على مسجده بالرئاسة ولكنه بخير ، بخير ونقل إلى المملكة ، مع رفاقه.
 
كان جدي قد علم بعد صلاة الجمعة بالفاجعة ، انتقل معنا وهو يعلم ، فقط يعاني من الصمت الرهيب ، بيد أنه يمارس الصمت دوما ولكن حكمة ، وأنا بخلدي أنه يصمت هذه المرة بشكل مؤسف ، فلم يحدثنا عن ذكرياته في الدار ، دار أبيه الذي نحن فيه ، وعن طفولته ، وعن رائحة التراب التي تخترق حواسه ، كان فقط يضرب بيده الحائط الترابي بلطف ، ويحاول أن يوحي بغيابه في تفاصيل الماضي ، وبعدما أخبرنا كما قلت شعرت بدوار رهيب ، ومرعب ، إلى المسجد ، كما عبده حسن كهل القرية : قاتلهم الله بالمسجد ، نامت القرية كلها تعيسة.
 
حتى الذين تجادلت معهم لأشهر كانوا أشد من هالتهم الفاجعة ، قالوا : نحن نكره صالح ونحبه ، نتمنى أن يموت ونخاف أن يموت ، صالح أبونا.
 
كانت طفرة السوشيال ميديا لم تبدأ، بقي الحزن مكبوتا في قلوبنا ، كنا نسمع صوته بالتلفاز وهو يقول لمن حوله من قيادات الجيش بعد إصابته بدقائق ( لا تطلقوا النار ، لا تطلقوا النار ) يخاطب الشعب وهو في فكي الملاك ( إذا أنتم بخير فأنا بخير ) وكررها مرارا ، كانت كلماته ترجمة قلما كانت لرجل تسامى عن أخذ حقه في أشد الأوقات حرجا ومن المعلوم أنك لتعرف الرجل عليك اختباره وقت ضيقه ، في أوقاته الحرجة ، وقدم صالح صفحته المثلى للشعب ، ليس كصالح أحد.
 
نجا صالح في المملكة ، فجأة ظهر بهندامه المحترق ، ظهر يخاطب كل شعبه من البعيد ، لم يتحرج من وجهه فصالح لا يخفي عن شعبه شيئا ، كنت نائما في سطح منزلنا بمدينة تعز ، لم أعلم بظهور صالح ، أيقظتني المدينة كاملة ، الأعيرة النارية الكثيفة من كل سطح في تعز والألعاب النارية ، خفت على نفسي وهرولت مسرعا من الدور الرابع ، في السطح ، إلى الدور الأول حيث مقر المؤتمر بالدائرة ٥٥ خاصتنا وعلى ظني أن معركة انطلقت بين المخربين والأمن ، ولكن عندما كنت بالداخل في مجلس الدائرة رأيت أحمد عبده سعيد ، وهو نائب رئيس الدائرة، يرقص ، لماذا ترقص ؟ فقرب مني وجرني للرقص حتى أصبح التلفاز قبالتي وصالح لم يكمل كلامه بعد في التلفاز بقميصه الأبيض ووجهه المحترق، وشاله الأحمر ، حتى بكيت من الفرح الذي طالني ولم تقف الألعاب النارية في المدينة ، أصبحت شعلة تحتفل بنجاة صالح البلاد .
 
لكن في صباح الغد وصلني اتصال ، قيل لي أحمد ابن عمك عبدالرحمن علي عبده ذهبت يده ، كيف ذهبت ؟ كان يطلق الألعاب النارية وانفجرت بيده نارية كبيرة ، تشظت، أصابني الهلع ، على رفيق الوقت من الطفولة ، وعلى عمتي التي فقدت زوجها قبل سنوات، وفي المشفى وبعد عمليات جراحية كثيفة عادت يد أحمد إلى طبيعتها ، وقلت له هل أنت نادم على إطلاقك الألعاب بمناسبة ظهور الرئيس ؟ قال والبسمة ملء وجهه لا ، كيف أندم ، أموت كي يظهر الرئيس ، أنا أفديه.
 
هذه تجربتي مع استهداف صالح وكل أركان الدولة ، واستشهاد بضعة رفاق كانوا من مثاليات البلاد ، منهم العزيز عبدالعزيز عبدالغني ، وحكيت لكم بشكل مبسط وحقيقي الذي حدث في منتصف الصلاة من شوارع البغي ، الشارع الذي أدمى بيت الله ورجال الحكم ، ومزق سورة الدولة في محراب المسجد ليحدث من جراء صرخات الرحيل صرخة الكهف المظلم ، لقد كتبت وعلى القارئ أن يعي متى كانت أول طلقة في رأس الصف ، الصف الجمهوري الممزق في كل ناحية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية