قبل جهاد الأصبحي، كان قصف قسم النساء بسجن تعز، واغتصاب يمنيات في السجون، فلم تكن جهاد الإساءة الحوثية الأولى ولن تكون الأخيرة لحرمات ودماء اليمنيين ودينهم وأعرافهم، بل ها هي شهيدة أخرى تقع برصاص العنجهية الحوثية في ذمار.
 
فقد عصوا الله ودينه عندما صلوا وسبحوا بحمد كاهن غر لا يفقه غير الثرثرة الجوفاء وزعامة الجرائم، وخانوا الوطن حينما أتوا عليه بالولي الفقيه سيدا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومرغوا أنف الحياة بشعارات الموت، وخذلوا الإسلام لما ادعوا نصرته، وقاطعوا أعراف اليمنيين وأخلاقهم وقتما انتهكوا حرمات المساكن، وضربوا النساء الحرائر في الشوارع واختطفوهن ومارسوا معهن التعذيب الوحشي والاغتصاب.
 
يخطئ من يعتقد أن زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي بعيد عن لعبة البيضاء من أول الحملة على منزل جهاد وحتى ما يدور راهنا من شد وجذب في القضية، فكل شاردة وواردة تقوم بها جماعته تمر من مكتبه.
 
كذبت ألسنتهم على جهاد بأنها قُتلت أثناء الاشتباكات، فأثبتت التقارير الجنائية ما قاله رجال البيضاء في قتلها عن قرب بعد أن اقتحموا منزلها وتأكد لهم أن ليس فيه إلا جهاد.
 
الجميع شاهد وسمع مطالب ذويها، التي يمكن تلخيصها في تسليم الجناة للدولة، والدولة هنا هي سلطة الحوثيين وقضاؤهم، وتغيير بعض المشرفين، الذين لن يكونوا من غير مليشياتهم، والإفراج عن معتقلين على خلفية حصار وقصف بيت جهاد، بينهم وكيل المحافظة الذي ناصرهم وصار منهم إلا أنه من البيضاء.
 
وربما كثيرون تابعوا تغريدات وتسجيلات الشيخ ياسر العواضي التي حرصت على أن تبقي على شعرة معاوية مع الحوثيين لعلهم يرجعون عن غيهم وبغيهم.
 
مطالب كانت أقرب إلى حفظ ماء وجه مئات الآلاف من أبناء البيضاء بل وملايين اليمنيين الغيورين، منها إلى عدالة تقتضي معاقبة الجناة كل بقدر جرمه، لكنها العزة بالإثم، والكبر على فضيلة الرجوع إلى الحق لجماعة تزعم، زورا وبهتانا، أن القرآن مرشد مسيرتها، والإسلام إطار حركتها، وزعيمها علما من أعلام الهدى، ألا ساء ما يفترون على القرآن والإسلام وعلى الهداية بما يدعون من أعلام ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما هي في حقيقتها وواقعها الملموس أعلام زيغ وضلال وغواية.
 
البيضاء اليوم مفتوحة على خياري احتواء شرارة جهاد، كما هي مفتوحة على بديل الحرب وتفجر الموقف، ولعل الثاني، السيناريو الأقرب في ظل الحشود الميدانية من طرفي قبائل البيضاء ومن تضامن معها من قبائل في محافظات مجاورة وبين الحوثيين وتناولهم الإعلامي والسياسي للقضية وكأنها قضية ياسر العواضي وتحفظه على عناصر يقولون إنها تتبع القاعدة فيما هم في الواقع أقرباء للشهيدة جهاد، وبتسريب يتهم بصورة غير مباشرة جهاد نفسها بأنها من أعضاء القاعدة بتصريح متحدث وزارة الداخلية الحوثية أن شوقي رفعان الذي قتله الحوثيون في عتمة بمحافظة ذمار المجاورة للبيضاء كان من مهامه تجنيد نساء لداعش ثم للقاعدة حسب تضارب الرواية الحوثية.
 
أما القبائل وأبناؤها الذين يشكلون عصب الحياة للمليشيا الحوثية والوقود لحربها فهم أمام لحظة تاريخية ووطنية فارقة، إما الوقوف مع عرض كل يمني وحرمته أو الاستمرار في الخط الحوثي، وطرح أنفسهم في محكمة الشعب والمستقبل المنظور، القادم لا محالة، وربما أمام صرخات شقيقات جهاد من قبائلهم ذاتها إن فكروا في التحول أو الميل عن الصلف الحوثي.
 
احتواء الحوثيين السلمي لأزمة البيضاء ستعني انكسارا لهم ولهيبة سلطتهم، ويعتقدون أنه سيشجع قبائل أخرى على التمرد في وجوههم، وكذلك سيجعل من العواضي شخصية شعبية بامتياز من الممكن أن تؤهله ليكون إحدى البؤر القبلية والشعبية للمناهضين للمليشيا الحوثية، يزيد قوتها الوضع التنظيمي والعلاقات الإعلامية والسياسية الواسعة التي يتمتع بها، ما سيضعه بالمقابل هدفا حوثيا للتخلص منه ينتظر فقط مبررا لا يكفل له الالتفاف القبلي والشعبي معه، فالحوثيون يدركون أن هزيمتهم في البيضاء من المرجح أن يكون لها ما بعدها من انكسارات وهزائم.
 
عناصر قوة البيضاء نابعة من عدالة القضية موضوع النزاع، وتاريخها المناوئ للإمامة، وما يبدو في توحد قبائلها واجتماعها على قلب رجل واحد، إضافة إلى موقعها الجغرافي وسط اليمن ومتاخمتها لمحافظات محررة توفر ما يمكن تسميته عمقا استراتيجيا وخطوط إمداد آمنة إذا تفجر الموقف، وإسهام كل ذلك في تحقيق ميزات تتفوق بها على حالة حجور.
 
ما سبق من ميزات لا يكفي لتحقيق انتصار عسكري على الحوثيين، أما أخلاقيا فالانتصار حاصل، باعتبار ما يمتلكه الحوثيون من إمكانيات الدولة تسليحا وعمقا وقدرات لوجستية لن يتورعوا في استخدامها ضد سكان البيضاء، مالم تتدخل قوى نظامية ومتخصصة لتحييد آليات التفوق الحوثي كالدبابات والصواريخ والطائرات المسيرة والكثافة النارية عموما.
 
 وضع البيضاء أفضل من حجور لكنه من حيث القوة التسليحية العسكرية ليس أحسن من الجوف قبل شهور.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية