أعلن التحالف العربي في اليمن الأسبوع الماضي عن عملية عسكرية استهدفت مواقع تابعة لمليشيا الحوثي ومرابض لزوارق مفخخة ومعدات بناء هجمات بحرية على ساحل الحديدة في اللحية والجبانة ومواقع أخرى.

 

القصف الجوي لهذه الأهداف جاء بعد ساعات من عملية نفذها التشكيل البحري للتحالف انتهت بتفجير زورق مفخخ كان يستهدف ناقلات النفط في الخط الملاحي الدولي بالتزامن مع تصعيد إيراني عسكري مباشر وصل حد قصف منشآت نفطية سعودية في المنطقة الشرقية.

 

وسبق للمليشيا الحوثية وأذرع طهران في المنطقة أن استهدفت منشآت نفطية وناقلات نفط في موانئ وممرات دولية في عرض البحر.

 

تدير طهران معركتها مع العقوبات الأمريكية وتصفير صادراتها النفطية من خلال إثبات قدرتها على تهديد المصالح النفطية العالمية في بلدان الطاقة بالخليج العربي، مستخدمة أذرعها، مليشيا الحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق كورقة في هذا السجال لدفع واشنطن نحو إعادة النظر في العقوبات.

 

طهران تسيطر على مضيق هرمز في نهاية أنبوب الخليج العربي شرق منابع النفط الأولى عالميا، والمستحوذة على نحو خمسي تجارة النفط في العالم، ولتتمكن طهران من تحكم شبه كامل في هذه التجارة، لرفع أسهمها في السياسات الدولية تحتاج لوضع يدها على فوهة أنبوب آخر، يقع جغرافيا جنوب البحر الأحمر، ويتمثل في باب المندب، غرب منابع النفط، وهذا ما نجحت طهران فيه من خلال الإبقاء على ذراعها في اليمن، مليشيا الحوثي مطلة على جنوب هذا البحر المهم، الأمر الذي وفره دون كلفة اتفاق ستوكهولم.

 

هذا التمادي الإيراني ظهر جليا في تبني مليشيا الحوثي الهجمات على منشآت ارامكو النفطية، غير أن التحقيقات كشفت استحالة ذلك وأثبتت أن مليشيا الحوثي ليست سوى قفاز تستخدمه إيران لتنفيذ مهماتها القذرة كما تفعل مع الحشد العراقي وحزب الله في جنوب لبنان.

 

مليشيا الحوثي لم تعد هي صاحب قرار الحرب والسلم في المعادلة المحلية فإن ارتهانها للقرار الإيراني والقيام بدور الأداة المنفذة فقط وبشهادة محققين أمميين شاركوا في فحص مسرح حادثة أرامكو، يجعل من توقيع المليشيا الحوثية على اتفاق ستوكهولم أمرا تمويهيا يجعل الالتزام به خاضعا للإرادة الإيرانية، وسياستها في استغلال التجارة الدولية عبر البحر الأحمر كورقة تفاوضية، وأداة ضغط مهمة.

 

 تؤكد حالة التصعيد الإيراني الأخير سواء من خلال إقلاق الأمن النفطي العالمي في الخليج بشكل مباشر أو عبر وكيله في العراق، الحشد الشعبي، أو عمليات الخروقات المستمرة لاتفاق ستوكهولم على شاطئ وفي مياه البحر الأحمر أن إيران عازمة على استمرار عملياتها في البحر الأحمر عبر ذراعها الحوثي، ما يوقع الطرف الآخر، القوات اليمنية والتحالف العربي، أمام واجب قطع اليد الإيرانية بالقرب من البحر الأحمر خدمة للأمن والسلم الدوليين في واحد من أهم معابر التجارة العالمية، بحسب المنطق السياسي وأبجديات العلاقات الدولية.

 

طهران، إذن، هي مالك القرار الحوثي حصريا، والحديث عن اجتماعات أو نقاشات مع لجان أو ممثلين لمليشيا الحوثي لتنفيذ اتفاق السويد أصبح مضيعة للوقت وأشبه بالحرث في شواطئ تهامة؛ لأن المعنيّ بالأمر هي طهران وذلك يقتضي التعاطي مع الوضع في الحديدة وفق قاعدة أن الحديدة محتلة من إيران أو أنها من الناحية الفعلية قاعدة إيرانية لاستهداف اليمن والمنطقة ومصالح العالم النفطية والتجارية.

 

وما يعزز هذا الطرح هو إعلان المدعو مهدي المشاط قبل أيام أنهم نفذوا 90 % من التزاماتهم التي وقعوا عليها في اتفاق ستوكهولم بما في ذلك الانسحاب من الموانئ، وهذا الإعلان يكفي لإغلاق حتى مجرد الحديث مع المليشيا الحوثية أو دعوتها لتنفيذ الاتفاق لأن هذه العصابة لا تملك قرارها ولن تعطي شيئا خارج صلاحياتها، وفاقد الشيء لا يعطيه.

 

عملت طهران على تحويل سواحل اليمن الغربية ومحافظة الحديدة إلى قاعدة متقدمة لاستهداف المصالح الدولية والخليجية وتهديد خطوط الملاحة، ولم تعد هذه الجغرافيا اليمنية محل نزاع بين طرفين يمنيين يمكن الوصول معهما برعاية أممية إلى تسوية تنهي هذا الواقع المختل، بل أصبحت هذه المناطق مسرحا لعمليات طرف دولي محتل وغازٍ هو إيران، ويتوجب على القوات المرابطة في الساحل الغربي التحرك لحماية الأراضي اليمنية من الاحتلال خصوصا وأن السلاح والدعم والخبراء والقرار من إيران.

 

ويتشارك المجتمع الدولي مع القوات المشتركة والتحالف مسؤولية إنهاء الوضع المختل في الحديدة وسواحل اليمن الغربية لحماية المصالح الدولية وتأمين خطوط الملاحة وضمان عدم العبث بأسعار الوقود في العالم انطلاقا من هذه المساحة اليمنية، ولعل تحذيرات وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي عادل الجبير عن أن أسعار النفط كانت مرشحة لتصل إلى 150 دولارا للبرميل بعد استهداف أرامكو كافية للتعاطي مع مخاطر الوجود الإيراني في اليمن من خلال مليشيا الحوثي.

 

وهذا التحرك المفترض دوليا يقود إلى التذكير بالحضور الدولي عسكرياً لمواجهة شبكات القراصنة الصوماليين قبل سنوات وكيف تم تشكيل قوات دولية متعددة الجنسيات والمهام لمواجهة خطر القرصنة على التجارة الدولية ومصالح العالم في المنطقة، مع الإشارة إلى أن مخاطر الحضور الإيراني في اليمن والساحل الغربي تتعدى تهديدات شبكات وعصابات القراصنة كون مليشيا إيران تملك صواريخ بالستية وترسانة سلاح بحري مفخخ ومخابرات دولة وإمكانات غير محدودة.

 

يبقى الحديث عن إمكانية تأمين ممرات الملاحة والمصالح التجارية وإمدادات الطاقة من خلال بنود اتفاق السويد المدفون مجرد عبث بالوقت، بينما الحل الأمثل لليمن والمجتمع الدولي وإنسانيا هو في إنهاء الوجود الإيراني على الساحل الغربي لليمن من خلال استكمال تحرير الحديدة والشريط الساحلي الغربي حتى ميدي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية