يمكن القطع بأن الأيادي الإيرانية الخبيثة هي السبب الرئيس وراء ما جرى في منشآت شركة «أرامكو» النفطية، سواء كان ذلك عبر الطائرات المسيرة التي باتت أحد أوبئة العصر، التي اعتاد الحوثيون على إطلاقها، أو من خلال انطلاقها عبر العراق، كما تقول بعض المصادر الإعلامية، من خلال العناصر الواقعة تحت نير وعبودية الالتحاق الآيديولوجي الأعمى، كـ«الحشد الشعبي» وبقية خلايا قاسم سليماني.

 

يستدعي حادث «أرامكو» الأخير الإشارة إلى عدة زوايا تعكس بعضاً من طبيعة المشهد في المنطقة، وفي المقدمة النوايا الإيرانية الحقيقية، التي تثبت الأيام والأحداث أنها شريرة إلى أبعد حد ومد، وأنه لا فائدة من التفكير الإيجابي تجاهها، وقد جاءت الحادثة الأخيرة لتثبت للعالم، بشكل عام، وللولايات المتحدة بشكل خاص، أن الطبع الإيراني يغلب التطبع، فالطبع آيديولوجي قومي، يحاول أن يغلف نفسه بالمذهب الديني، طبع مصاب بفوقية إمبريالية قاتلة، لا تحمل أي خير للجيران في الحال أو الاستقبال.

 

الاعتداء على «أرامكو» يستهدف المملكة في قلب صناعتها النفطية، وفي توقيت تقترب فيه عملية الاكتتاب في الشركة التي تعد واحدة من أكبر الشركات في مجالها عبر العالم، والخطط الخاصة بها، تقع في قلب رؤية تطوير المملكة 2030، الأمر الذي يفيد بأن المستهدف يحاول جاهداً قطع الطريق على الصحوة الحقيقية والنهضة الشاملة للمملكة، الأمر الذي يتجاوز مسألة الصراعات المسلحة إلى الاقتصادية والاجتماعية وكل مناحي الحياة.

 

على أن الحقيقة كذلك موصولة ببقية العالم، فنفط المملكة حال تعرضه للأذى سوف يؤثر تأثيراً سلبياً على جميع اقتصاديات العالم، والجميع مقبل على فصل الشتاء، الذي يتوقع خبراء المناخ أنه سيكون قارساً بمقدار ما كان الصيف الأخير لهفاً وهجيراً، والسؤال هل سيقف العالم مكتوف الأيادي أمام التمادي الإيراني الواضح للعيان على هذا النحو؟

 

يمكن القطع بأن إيران وقعت في شر أعمالها من جديد، ولم يعد الصراع قائماً بينها وبين جيرانها، بقدر ما أضحى بينها وبين العواصم والعوالم التي يرتبط وجودها بسائل الحضارة وتبعات الهجوم الذي أعاق جزءاً من إنتاج المملكة من النفط.

 

أثبت الاعتداء على «أرامكو» للجانب الأميركي، وإن لم يعلن ذلك بصورة رسمية، أنه لا فائدة من سياسة الترضية التي لمح إليها الرئيس ترمب، الأسبوع الماضي، مع إيران، وأكد العمل العدائي أن وكلاء الشر الإيرانيين في التخوم، ربما باتوا أكثر حقداً وكراهية من حال ومآل الملالي في المركز، الأمر الذي تبدى واضحاً من خلال مكالمة الرئيس ترمب مع ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، وإبداء الأول الاستعداد الكامل للتعاون الأمني مع المملكة.

 

أحد الأسئلة الجوهرية في تحليل المشهد: هل المملكة قاصرة أو عاجزة عن حماية نفسها؟

 

بالقطع إنها قادرة في التو واللحظة على مواجهة ومجابهة كل من يحاول إلحاق الأذى بها، وهو أيضاً ما تكفله لها القوانين الوضعية، وكذا الشرائع والنواميس الأدبية، عين بعين، وسن بسن، والبادئ أظلم، وإن كانت حتى الساعة تقبض على قرارها بأسنانها، وعلى الجمر بأياديها، من أجل أن تعبر المنطقة الملتهبة لجج الاضطراب اللوجستي وأزمنة الكراهية الإيرانية، إلا أنه لن يلومها أحد حال اقتصت لسيادة أراضيها وحياة مواطنيها.

 

أفضل من وصف حقيقة إيران بعد الاعتداء الأخير وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الرجل النافذ اليوم في إدارة الرئيس ترمب، الذي أكد في تغريدة له على «تويتر»، أن إيران تقف وراء الهجوم الذي استهدف «أرامكو»، وذكر الأميركيين والعالم بأن إيران تقف وراء نحو 100 هجوم تعرضت لها السعودية، في حين يتظاهر روحاني وجواد ظريف بانخراطهما في الدبلوماسية التي وصفها بأنها مزيفة.

 

بومبيو رجل الاستخبارات لا تنطلي عليه مناورات الملالي لتسويف الوقت والحديث عن وقف التصعيد، لا سيما في ضوء الهجمات التي تمت قراءتها أميركياً وأوروبياً على أنها إنذار إيراني بوقف غير مسبوق لإمدادات الطاقة العالمية، الأمر الذي لم يتم السماح به منذ عام 1973 وحتى الساعة.

 

حبل المشنقة يقترب من رقبة الملالي، لا شك في ذلك، ولم يعد أحدٌ في الداخل الأميركي المعروف ببراغماتيته العالية قادراً أو راغباً في إعطاء النظام الإيراني قبلة الحياة، التي توقعها البعض على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأيام القليلة المقبلة، بل على العكس تماماً ترتفع صيحات الانتقام الشرس من الإيرانيين، وبأسرع وقت ممكن.

 

حين يطالب السيناتور الجمهوري النافذ والمقاتل الشرس ليندسي غراهام، الإدارة الأميركية، بوضع خطط مهاجمة المنشآت النفطية الإيرانية على الطاولة، حال التمادي في أعمالهم الإرهابية، فإن إيران تضحى في الساعة الحادية عشرة قبل اقترابها من القارعة الماضية إليها قدماً، لا سيما بعد أن وصل بها الغرور حد التهديد بقصف حاملات الطائرات الأميركية بالصواريخ الإيرانية.

 

الخلاصة... الزيف الإيراني العميق لن يفيد الملالي، سواء في اليمن أو العراق.

 

* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية