بحسب تقرير لجنة التحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) فإن العقل المدبر للهجمات على نيويورك وواشنطن ليس أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، بل المهندس الباكستاني الأصل الذي تربى في الكويت ودرس في أميركا وعمل وعاش في قطر خالد شيخ محمد.

لكن ربما من المفيد قبل التعرض للشخصيات الرئيسة وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر إلقاء نظرة سريعة على تطور العمل الإرهابي منذ تأسيس تنظيم القاعدة نهاية الثمانينيات حتى خريف 2001. ولتكن تلك المقدمة إلقاء ضوء على الشخصية الرئيسة، زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

في كتابه "البروج المشيدة... القاعدة والطريق إلى الحادي عشر من سبتمبر" يفرد لورانس رايت الفصلين الأولين لمنبع الإرهاب الذي أصبح يمثله بن لادن بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان. فالفصل الأول بعنوان "الشهيد" عن القيادي الإخواني المصري سيد قطب المنظّر الرئيس لفكر الإرهاب الحديث، ثم الفصل التالي بعنوان "الرجل الثاني" عن أيمن الظواهري زعيم تنظيم الجهاد المصري صاحب التأثير الأكبر في بن لادن في باكستان والسودان وأفغانستان، وحلّ محله الآن في قيادة التنظيم الإرهابي الدولي.

وكان لتنظيم الجهاد للظواهري الغلبة في المنافسة مع تنظيم الجماعة الإسلامية الإرهابية وزعيمه عمر عبد الرحمن - الذي توفي في السجن في أميركا بعد إدانته في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي الفاشلة وعمليات إرهابية أخرى في الولايات المتحدة – لاستمالة بن لادن وإبعاده عن شيخه الإخواني الأول عبد الله عزام.

وكلا التنظيمين الإرهابيين، الجماعة الإسلامية والجهاد، خرجا من عباءة الإخوان، ليس فقط تأثراً بفكر سيد قطب الإرهابي العنيف، وإنما بالنظر للعلاقات الاجتماعية والأسرية والتنظيمية التي تربطهم بالإخوان.

كان هدف قيادات القاعدة من المصريين في البداية هو مواجهة السلطة في مصر وزعزعة استقرارها عبر العمليات الإرهابية، وقد استغلوا وجود بن لادن والتنظيم في السودان برعاية حسن الترابي وغطاء حكومة الإنقاذ في النصف الأول من التسعينيات لاستهداف مصر أساساً. لكن بعد مجزرة السياح في الأقصر نهاية التسعينيات، أعلن الظواهري اتفاقه الكامل مع دعوة بن لادن لتوجيه إرهاب القاعدة نحو أميركا.

وصادف ذلك هوى في نفس بن لادن، الذي شعر بتجاهل المسؤولين السعوديين له بل وضغطهم عليه ليوقف مساره بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان، فرغب في تحويل جهاده نحو أميركا والغرب. وأصبح أيمن الظواهري منظّراً مخلصاً لذلك التوجه متخلياً تكتيكياً عن استهداف مصر.

وهكذا كانت الهجمات الانتحارية على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام في 1998 والمدمرة الأميركية يو إس إس كول في ميناء عدن عام 2000. لكن الإعداد للهجوم الانتحاري الأكبر كان يتم في إطار دائرة ضيقة على رأسها بن لادن والمخطط الرئيس للهجمات خالد شيخ محمد ونائب بن لادن والقائد العسكري لتنظيمه أبو حفص المصري.

خالد شيخ محمد معتقل حالياً في غوانتانامو

مواليد بلوشستان، باكستان، عام 1965 قضى سنواته الأولى في الكويت حيث انتقلت عائلته من باكستان مثل ابن أخته الكبرى رمزي يوسف الذي دين في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. وهو أيضاً خال عمار البلوشي المتهم كذلك بحوادث إرهابية عدة.

وبحسب وثائق التحقيقات الأميركية، انضم خالد شيخ محمد إلى تنظيم الإخوان وهو في المدرسة وعمره 16 سنة. وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1983 ليلتحق بالجامعة التي تخرج منها في 1986. انتقل بعد ذلك إلى بيشاور حيث انضم هو وإخوته إلى معسكرات "المجاهدين الأفغان" الذين يحاربون الاحتلال السوفييتي في ذلك الوقت.

وهناك عمل مع عبد الله عزام وتعرّف على "الأفغان العرب" الذي تحولوا فيما بعد إلى تنظيم القاعدة.

في عام 1993، وكان تزوج، انتقل بعائلته إلى قطر وكان غطاؤه وظيفة في مؤسسة الكهرباء والمياه القطرية، وراعيه هو الشيخ عبد الله بن خالد آل ثاني وزير الداخلية القطري وقت هجمات سبتمبر وكان قبلها وزيراً للأوقاف.

من قاعدته في قطر، سافر خالد شيخ محمد إلى أنحاء مختلفة في مهام متعددة تزخر بها قائمة اتهاماته في الولايات المتحدة بعد إلقاء القبض عليه في 2003 في باكستان واستجوابه أكثر من مرة. من بين تلك التهم عملية بوجينكا الفاشلة في 1994.

فقد سافر من قطر إلى الفلبين نهاية 1994 ليعمل مع ابن أخته رمزي يوسف على استهداف طائرات تجارية أميركية في رحلاتها من آسيا إلى الولايات المتحدة. وانتحل في ذلك الوقت صفة تاجر أخشاب من قطر تحت اسم مستعار، من بين أكثر من أربعين اسماً استخدمها في سنوات نشاطه الإرهابي.

وتشير بعض التقارير التي وردت في التحقيقات الأميركية أيضاً إلى أنه سافر إلى البوسنة في 1995 بأوراق مزوّرة على أنه يعمل مع مؤسسة خيرية مصرية ـ وكان في ذلك الوقت يحظى برعاية قطرية تسهّل له كل هذه الأمور. وقبل عامين كتب ريتشارد كلارك، منسق مكافحة الإرهاب السابق في الإدارة الأميركية مقالاً في نيويورك ديلي نيوز عن تهريب قطر خالد شيخ محمد عام 1996 كي لا يقبض عليه الأميركيون بعدما اعتبروه الإرهابي الرئيس المستهدف بسبب دوره في محاولة تفجير مركز التجارة في 1993 وعملية مانيلا في 1995.

ويشرح كلارك كيف أنه "لو سلمه القطريون لنا كما طلبنا في 1996 لكان العالم مختلفاً بعدها" مشيراًإلى دور خالد شيخ محمد في هجمات سبتمبر وتفجيرات بالي في إندونيسيا بعدها، ومقتل الصحافي الأميركي دانييل بيرل في باكستان وغيرها من الأعمال الإرهابية المنسوبة إليه.

بعد عملية الطائرات من آسيا، نقل خالد شيخ محمد فكرته إلى بن لادن خلال لقاءاته معه وهو ما زال في قطر. ثم حين هرّبه القطريون في 1996 انتقل إلى أفغانستان ليبدأ التخطيط الفعلي لهجمات سبتمبر.

أبو حفص المصري

حسب المعلومات المتوفرة عنه من المصادر الرسمية الأميركية مثل وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) وغيرها من الوكالات الحكومية:

هو محمد عاطف نائب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن (النائب الثاني أيمن الظواهري) والقائد العسكري للتنظيم حتى مقتله في غارة أميركية في أفغانستان في نوفمبر(تشرين الثاني)2001 خلفاً لأبو عبيدة البنشيري الذي توفي غرقاً في بحيرة فكتوريا عام 1996. من مواليد المنوفية، مصر، في أواسط الخمسينيات باسم صبحي أبو ستة.

تتباين التقارير التي تضمنتها التحقيقات الأميركية حول سنواته الأولى، إذ يذكر أنه قضى خدمته العسكرية في القوات الجوية المصرية ثم عمل كضابط شرطة وكان عضواً في تنظيم الجهاد وانضم إلى الأفغان العرب وشارك مع بن لادن والظواهري في تأسيس تنظيم القاعدة نهاية الثمانينيات.

وتزوجت ابنته من نجل بن لادن محمد في عرس حضره مراسل الجزيرة في باكستان أحمد موفق زيدان وبث أجزاء منه في القناة القطرية.

يعد محمد عاطف الشخص الرئيس الثاني في هجمات 11 سبتمبر، فإذا كان خالد شيخ محمد صاحب الفكرة والتخطيط فإن محمد عاطف كان المنظم والمدرب للمجموعة الانتحارية التي نفذت الهجمات بالطائرات على نيويورك وواشنطن.

وتذكر بعض التقارير في تحقيقات إف بي آي أنه هو من قدّم خالد شيخ محمد إلى بن لادن في تورا بورا بأفغانستان عام 1995 بعدما كلفه عاطف بمهمة في البرازيل وقتها، وكان خالد شيخ محمد يسافر بسهولة بفضل إقامته الرسمية في قطر.

وبينما كانت قيادة تنظيم القاعدة في السودان في النصف الأول من التسعينيات أعد محمد عاطف دراسة عن عدم فاعلية خطف الطائرات لأنها عملية تستهدف التفاوض للإفراج عن رهائن مقابل الإفراج عن سجناء أسرى لكنها لا تسبب أضراراً ولا دماراً.

في عام 1998 استصدر فتوى من العلماء الأفغان أعطاها لبن لادن تبرّر الهجمات على المدنيين الأميركيين، وذلك قبل ثلاثة أشهر فقط من تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا. وهي التفجيرات التي أدت إلى إدانته أميركياً كمسؤول عن الإعداد للهجومين.

وإذا كان أسامة بن لادن هو من قرّر أن يكون المصري محمد عطا قائد مجموعة الانتحاريين في هجمات سبتمبر فإن محمد عاطف (أبو حفص المصري) هو من درّبه مع المجموعة كلها، ونسّق اللوجستيات والتمويل، كما تشير مصادر متطابقة استندت إليها التحقيقات الأميركية المختلفة.

وحين فشل رمزي بن الشيبة في الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة ليكون الانتحاري العشرين في المجموعة، كلفه محمد عاطف بالتنسيق وتولي إرسال الأموال إلى المجموعة وترتيب الاتصالات المشفّرة معهم.

ربما لا يشير تقرير لجنة التحقيق الأميركية في هجمات سبتمبر إلى الدور المركزي لأبو حفص المصري، لكن المتابعة من مصادر مختلفة وشذرات التحقيقات للأجهزة الأميركية والتأريخ للقاعدة من عدة مصادر منها كتابات لعناصر مقربة من التنظيم توضح دوره بجلاء مع بن لادن وخالد شيخ محمد.

مجموعة الانتحاريين

تشكلت مجموعة الانتحاريين، باتفاق بن لادن وخالد شيخ محمد ومحمد عاطف، من 20 شخصاً في البداية موزعة في شكل خمسة لكل طائرة من الطائرات الأربع التي استخدمت في الهجوم - اثنتان على مركز التجارة العالمي في نيويورك وواحدة على وزارة الدفاع (البنتاغون) وواحدة على كابيتول هيل أو البيت الأبيض (لا يعرف بالتحديد هدفها لأنها سقطت في بنسلفانيا وكانت تضم 4 خاطفين وليس 5 كالبقية).

كان قائد المجموعات محمد عطا، وتخلّف الخاطف العشرون رمزي بن الشيبة ولم يتمكّن زكريا موسوي (الخاطف الاحتياطي) من اللحاق بالعملية لأنه كان يعد بديلاً للبناني زياد الجراح إذا لم يشارك في الهجوم.

وفيما يلي أسماء الانتحاريين الــ19 في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة حسب ما نشرته (سي آي إيه) وقتها:

محمد محمد الأمير عوض السيد عطا، مصري، 33 سنة (قائد الطائرة الأولى التي ضربت البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي)

عبد العزيز عبد الرحمن محمد العمري، سعودي، 22 سنة

سطام بن محمد عبد الرحمن السقامي، سعودي، 25 سنة

وائل محمد عبد الله الشهري، سعودي، 28 سنة

وليد محمد عبد الله الشهري، سعودي، 22 سنة

مروان يوسف الشحي، إماراتي، 23 سنة (قائد الطائرة الثانية التي ضربت البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي)

أحمد صالح سعيد الغامدي، سعودي، 22 سنة

فايز راشد بني حماد، إماراتي، 24 سنة

حمزة صالح أحمد الغامدي، سعودي، 20 سنة

مهند محمد فايز الشهري، سعودي، 22 سنة

هاني صالح حسن حنجور، سعودي، 29 سنة (قائد الطائرة التي ضربت البنتاغون)

خالد بن محمد بن عبد الله المحضار، سعودي، 26 سنة

ماجد موقد مشعان بن غانم الحربي، سعودي، 24 سنة

نواف بن محمد سالم الحازمي، سعودي، 25 سنة

سالم محمد سالم الحازمي، سعودي، 20 سنة

زياد سمير جراح، لبناني، 26 سنة (قائد الطائرة التي سقطت في بنسلفانيا)

أحمد عبد الله عبد الرحمن النعمي، سعودي، 23 سنة

أحمد إبراهيم الحزناوي، سعودي، 20 سنة

سعيد عبد الله علي سليمان الغامدي، سعودي، 21 سنة

يضاف إلى القائمة رمزي بن الشيبة، يمني، الخاطف العشرون المسجون في غوانتانامو، والذي لم يتمكن من دخول الولايات المتحدة وزكريا موسوي، الفرنسي من أصل مغربي، والذي كان بديلاً احتياطاً إذا تراجع اللبناني زياد جراح عن المشاركة وهو مسجون أيضاً في غوانتانامو.


 

 

*نقلا عن اندبندنت عربية

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية