سلسلة حلقات تنشرها "وكالة 2 ديسمبر" من ملف بعنوان (نقض مقولة "حروب صعدة الست".. تمرد حوثي مسلح شامل ومستمر منذُ 2004 – 2018)، وفيما يلي الحلقة الرابعة..

 

دور حسين الحوثي في تأسيس ولاء العصابة لإيران

في غضون فترة قصيرة من مراحل الحرب العراقية - الإيرانية أو ماعرف بحرب الخليج الأولى، الطويلة زمنيا 1980- 1988، تولت قوة عسكرية يمنية محدودة العدد مهمة أمنية لمصلحة الشعب العراقي.. تلك القوة قدمت من اليمن الشمالي، وعرفت باسم كتيبة العروبة.. أراد بها الرئيس علي عبد الله صالح التعبير عن أصالة المشاعر القومية في الشعب اليمني.. وعادت من العراق قبل نهاية تلك الحرب. قال الخميني إنه تجرع نهاية تلك الحرب كمثل الذي تجرع السم الزعاف! إلا أن الخميني توفي عام 1989 موتا طبيعيا.

 

بعد مضي نحو 13 عاما كان حسين بدر الدين الحوثي الرجل الوحيد في اليمن الذي ما يزال يتجرع كلمتي "كتيبة العروبة"، ويذكر جماعته أن الجيش اليمني وقائده الأعلى علي عبد الله صالح دعما جمهورية العراق العربية البعثية ضد جمهورية إيران الإسلامية الاثناعشرية.. وحكم الحوثي بأن ذلك الدعم يعد جريمة عظمى وسيعاقب عليها الرئيس صالح وجيشه عقابا إلهيا! لم يكن هذا الحكم ضرباً من التصريحات العابرة، فالرجل كان يقدم إيران على اليمن، ويرسخ في ضمائر مريديه عشقاً عظيماً لتلك الدولة. كان يقول لهم إن العالم الإسلامي يضم أكثر من خمسين دولة يقطنها نحو مليار مسلم، وكل هذا العدد مجرد رقم ليس غير، بينما هناك دولة واحدة إسلامية فعالة فقط هي إيران لأنها شيعية اثناعشرية، ومن بين مليار مسلم هناك نحو ستين مليوناً فقط يسلكون الطريق المستقيم وهم الشيعة الاثناعشرية.

 

إيران.. المثل الأعلى!

أظهر حسين الحوثي إعجابا شديدا بالأنموذج الإيراني وجعل منه المثل الأعلى لجماعته، على الرغم من أن فترة مكوثه في ذلك البلد كانت أقصر من المدة التي أمضاها والده بدر الدين هناك. وسخر جزءاً كبيراً من جهوده الثقافية والتربوية والسياسية للدفاع عن ذلك الأنموذج، واشتغل بالدعاية له، بما في ذلك شعاراته التي كان أهمها صرخة الخطيب الأول للثورة الإسلامية الإيرانية: الله أكبر. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود. النصر للإسلام.

 

ترينا التسجيلات الصوتية لحسين الحوثي أنه كان في البداية يعاني كثيراً من عدم استجابة جماعته للشعار، لكنه استطاع في نحو العام 2001 ترسيخ اقتناع الجماعة بترديده ورفع أصواتهم به في مختلف المواقف.. وبعد ذلك الأنموذج الإيراني يأتي حزب الله اللبناني في المرتبة الثانية على المستوى الإسلامي، لكنه يبقى الأول في العالم العربي حسب تصنيف الحوثي الذي زار لبنان مراراً والتقى قيادات كبيرة في حزب الله مرتين على الأقل، وقد انعكس تأثير قيادات الحزب فيه من خلال تأسيس تنظيم طائفي عرف في البداية باسم الشباب المؤمن.

 

إن صلة العائلة الحوثية بإيران ليست جديدة ولا ملتبسة.. أمضى بدر الدين الحوثي (الأب) سنوات عدة هناك بداية من منتصف العقد الأول من التسعينيات، وتردد على الحوزات والمراجع الشيعية، ومن بعده تردد ابنه حسين على إيران مقتفياً أثر والده، ومن ذلك الحين بدأت تظهر ثمار تلك الزيارات.. وأي ثمار! فقد انتقل إلى إيران كثير من الشباب اليمني للدراسة الدينية، ومن ثم تحولوا إلى شيعة اثناعشرية، وهناك صحيفة إلكترونية تسمى "المستبصرون"، يعرض فيها أولئك الشباب التجارب التي مروا بها لكي يتخلصوا من الزيدية ومن السنية، وليصلوا إلى اليقين، وهو أن المذهب الاثناعشري خير المذاهب وأصحها.

 

كذلك نجد أن ولاء العصابة الحوثية لإيران ليست مسألة غامضة -العصابة نفسها لا ترى حرجا في ذلك- لا تخفي علاقتها الحميمة بتلك الدولة. ولعل الذين قرأوا "الملازم" قد لاحظوا أن صاحبها كان يقدم إيران الأسوة التي يتوجب على الجماعة التأسي بها، ونفس الأمر اتبعه مع حزب الله. كان يعرض هذين الأنموذجين في أبهى صورة، وهذه الصورة تجدها في الملازم الأربع: دروس من هدي القرآن سورة المائدة - الدرس الأول.. سورة المائدة - الدرس الثاني.. مسئولية طلاب العلوم الدينية.. سورة آل عمران- الدرس الثاني.

 

الاثناعشرية والهاشمية معايير إلهية!

في تلك الملازم استطاع حسين الحوثي تقديم إيران وحزب الله لعصابته بوصفهما القدوة التي يجب على أفرادها اتباعها في أمور الدين والدنيا، وفيما يتعلق بالحكم الإسلامي الإيراني الذي لا نظير له في الصحة والاستقامة.. كان يعرض عليهم تفاصيل حياة الإمام آية الله روح الله الخميني، باعتباره واحداً من الرجال العظام الذين تتوافر فيهم معايير إلهية! كما حظي حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان بالتوصيف نفسه تقريبا، فهو أيضا تتوافر فيها المعايير الإلهية نفسها من وجهة نظر حسين الحوثي.. تلك المعايير الإلهية هي أن السيدين الخميني ونصر الله كلاهما شيعي اثناعشري، وكلاهما من نسل هاشم، وكلاهما يواليان الإمام علي بن أبي طالب.

 

يقول حسين الحوثي: إن العرب وقفوا ضد السيد حسن نصر الله، بينما كان يتعين عليهم موالاته! وقال: شاهدوا حسن نصر الله وهو يتكلم، إنه يتكلم بملء فيه، بكل قوة، كلام مجاهد شجاع، ينطق كلمات تحتها جيش من المجاهدين الشباب، يتكلم بعبارات تهز إسرائيل، وهو بجوار إسرائيل، ويعلم ما لديها من أسلحة نووية وصواريخ، وغير ذلك من عوامل القوة.. من أين استمد حسن نصر الله هذه الشجاعة؟ ببساطة، هو يتولى الله ورسوله والإمام علي، وهو هاشمي، شيعي اثناعشري، من رجال علي، ومن كانت هذه المعايير الإلهية تتوافر فيه "هاشمي- شيعي- موالي للإمام علي"، فمن الطبيعي أنه عندما يصبح حاكماً فإنه سيهتم بأمر الناس من تلقاء نفسه.. سيغدو الناس معفيين من تكليف أنفسهم مشقة الطلب، هو سيحقق المراد من تلقاء نفسه بحكم المعايير الإلهية المتوافرة فيه. لقد كان يتعين على العرب موالاة حسن نصر الله، لكنهم فعلوا العكس فخسروا، قبل ذلك فوت العرب فرصة ثمينة، حيث وقفوا ضد الإمام آية الله الخميني، الرجل القوي الذي وقف ضد إسرائيل، بينما كانت مصلحتهم متحققة لو أنهم وقفوا تحت لواء الخميني! ويغري حسين الحوثي أتباعه بخصال هذا الإمام حتى أنه كان ينسب إليه خصالا لم تعرف عنه، يقول إن الخميني كان يعيش حياة زهد، وفي الوقت نفسه كوّن جيش المجاهدين المسلحين بالبوازيك والدبابات والطائرات والبنادق، وزيادة إلى ذلك أنه كون جيشاً يحمل أفراده المفارس والكريكات والهندسة والحراثات والمعدات الثقيلة لتشييد السدود والجسور والمصانع والمدن..

 

ويمضي الحوثي في تقليب مزايا الخميني التي كان في مقدمتها المعايير الإلهية، أنه رجل يتوافر على الكمال الإلهي، وهذه المعايير جعلته يهتم بالأمة الإيرانية، فأنشأ لها طرقا طولها 40 ألف كيلو متر خلال سنوات قليلة، بينما كان طولها أيام الشاه محمد رضا بهلوي 14 ألف كيلو متر فقط، رغم أن بهلوي كان لديه 5 ملايين برميل نفط في اليوم الواحد.. الخميني ذو الكمال الإلهي، اهتم بالاقتصاد والتعليم والصحة وأحدث ثورة علمية في غضون سنوات معدودة.. لقد ملأ إيران بالمشاريع العملاقة التي غطت مختلف المجالات، وبفضله أصبحت إيران دولة صناعية..

 

يقول الحوثي أيضاً: زرنا إيران فوجدنا الريف مثل المدن: طرق، مدارس، صحة، زراعة، صناعة، إلخ.. وهكذا إلى أن يصل بعصابته إلى اقتناع أن إيران دولة مثالية، في كل شيء، والسبب أن حكامها هاشميون، شيعة اثناعشرية، يوالون الإمام علي بن أبي طالب.. ثم يعقد مقارنة مع اليمن، حيث أن حكامها ليسوا من آل البيت، ولا شيعة، ولا موالين للإمام علي، بل يوالون أبا بكر وعمر بن الخطاب - كما قال- لذلك فإننا في اليمن نذهب لهؤلاء الحكام نتابع من أجل مشروع ماء فنحصل عليه بعد سبع سنوات، بينما في إيران تجد رجال السلطة هم الذين يزورون الأرياف، الحكام في إيران ينظرون ما هي احتياجات الناس في الأرياف ثم يلبونها..

 

إذن لا بد أن يحكم اليمن رجال "أعلام" تتوافر فيهم معايير إلهية.. والأعلام ذووا الكمال الإلهي لا يكونون إلا من آل البيت، وشيعة، ويوالون الإمام علي، وبالضرورة لا بد أن يكونوا من حزب الله!

 

نمت بالسلاح الإيراني

إن المقتطفات السابقة قليل من الكثير الذي تعج به ملازم حسين بدر الدين الحوثي، استهدف بها تعميق ولاء عصابته لإيران ولحزب الله، وهذا الولاء يظهر بوضوح في سلوك العصابة وفي خطابها السياسي والإعلامي. ذلك الولاء الصريح من جانب العصابة يقابله دعم إيراني غير محدود يغطي مختلف احتياجات العصابة، وفي مقدمتها المال والأسلحة، وهذه الأخيرة أصبحت قضية مشهورة. منذ عام 2004 كانت الحكومة اليمنية تؤكد ارتباط العصابة الحوثية بإيران وبحزب الله، وأن جمهورية إيران الإسلامية تمدها بالسلاح.. من ذلك الحين وحتى هذه اللحظة كانت الحكومات اليمنية المتعاقبة تطلب من إيران الكف عن تزويد العصابة بالسلاح ولم تكف.

 

وعلى الرغم من أن الفرق الخاصة التي شكلها مجلس الأمن الدولي للتحقيق في قضايا التسليح الإيراني للعصابة الحوثية، أكدت أن شحنات ضخمة من الأسلحة صدرتها إيران لليمن، إلا أن مجلس الأمن لم يتخذ أي قرار فعال بخصوص هذه المشكلة، بما في ذلك الشحنات الهائلة التي حملتها السفينتان جيهان1 وجيهان 2.

 

لقد نمت العصابة الحوثية بفعل ذلك التسليح الإيراني الذي لم ينقطع إلى هذه اللحظة.. سلك مهربو شحنات الأسلحة مختلف الطرق من ميدي حتى بحر المكلا.. واستخدمت إيران حيلا مختلفة للنقل.. مرة عبر السفن الكبيرة.. ومرة بسفن الاصطياد السمكي.. وتارة بقوارب وزوارق متوسطة وصغيرة مملوكة عادة لأشخاص لا يعملون بالضرورة في حكومة طهران.. بينما كانت قضية السفينة الإيرانية جيهان- 1 موضوع تحقيق تقوم به لجنة الخبراء المعينة من مجلس الأمن الدولي، كشفت عملية جديدة لتهريب الأسلحة للعصابة الحوثية، وهذه المرة عبر السفينة جيهان- 2.

 

في يونيو 2013 قدمت لجنة الخبراء التي شكلها مجلس الأمن للتحقيق في قضية السفينة الإيرانية جيهان- 1، تقريرها إلى المجلس، وسجلت فيه أن السلطات اليمنية ضبطت السفينة وكانت محملة بشحنة أسلحة قدمت من إيران، وأن اللجنة أجرت تحقيقا مع طاقم السفينة وفحصت شحنة الأسلحة، وحللت بيانات جهاز تحديد المواقع، وتوصلت إلى أن أفراد الطاقم يمنيون أبحروا من اليمن إلى ميناء شاباهار الإيراني أولاً ومنها نقلوا عبر بندر عباس إلى بندر لنكه، ثم انتقلوا بزورق صغير إلى السفينة جيهان وانطلقوا في رحلة إلى اليمن حيث ضبطوا مع السفينة في المياه الإقليمية اليمنية من قبل خفر السواحل اليمنية وبمساعدة من سلاح البحرية الأمريكية. في تلك الأثناء كانت السفينة الإيرانية جيهان- 2 تفرغ حمولتها من الأسلحة إلى قارب مملوك ليمني يدعى ق. زايد في جزيرة السوابع قرب باب المندب، وقامت قوات مشتركة من البحرية والدفاع الساحلي وخفر السواحل بإحباط العملية..

 

وفي بداية أكتوبر 2015 ضبط التحالف العربي سفينة صيد مملوكة للإيراني هوجان محمد حوت، وكل أفراد طاقمها الأربعة عشر إيرانيون بقيادة القبطان بخش جتكال، لكن سفينة الصيد تلك كانت تحمل أسلحة متنوعة، من بينها منصات إطلاق وحوامل منصات إطلاق صواريخ، وقذائف مضادة للدروع، وأخرى مضادة للدبابات وبطاريات قذائف، وأنظمة توجيه للنيران.... وهكذا.

 

الآن وبعد نحو ثلاثة أعوام ونيف من الحملة العسكرية الكبرى للتحالف العربي، ما تزال العصابة الحوثية تحارب بفعل ذلك التسليح الذي ارتقى إلى مستوى الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي تلقي موادا شديدة الانفجار، وهي إيرانية بالطبع، غير أن العصابة الحوثية تستكثر على اليمنيين قدرتهم على فحص الروايات الزائفة التي تسوقها حول صناعة طائرات دون طيار، وصناعة وتطوير صواريخ بالستية، وفي الوقت نفسه تبقي على مسمياتها الإيرانية!

 

الحلقة الرابعة من ملف تنشره "وكالة 2 ديسمبر"
لقراءة الحلقة الأولى "من هنا"
لقراءة الحلقة الثانية "من هنا"
لقراءة الحلقة الثالثة "من هنا"

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية