منصور، طفلٌ في ربيعه الثاني عشر، دُفع عنوة إلى محرقة الحرب من قبل مليشيات الكهنوت، مُستغلةً الأخيرة عوزه وفقره، ومن هذه التجربة القاسية جمعت "وكالة 2 ديسمبر" خيوط قضية إنسانية تُضاف إلى ملف الجرائم الحوثية ضد الأطفال اليمنيين، والقصة ترويها الوكالة بناء على شهادات دقيقة تم جمعها في فترة كافية ومن أكثر من مصدر اطلعوا على تفاصيل الواقعة.

 

ضمن أسرة يجثو على كاهلها الفقر ويحط بها العوز، كان الطفل منصور أحمد يحيى حمود السياغي، يقضي تلك الظروف بمعية أبويه واثنين من إخوته ثالثهم هو، في تعداد الأسرة المكونة إجمالاً من خمسة أفراد، والتي انتقلت منذ فترة من قرية "السياغ" في مديرية الحيمة الداخلية بالعاصمة صنعاء، ليستقر الحال بها في مدينة الحديدة غرب البلاد.

 

وفي يوم جمعةٍ عند تاريخ الـ 25 من ديسمبر/ كانون الأول، 2018م، استدرجته المليشيات من مسجد كان يؤدي فيه الصلاة بمقربة من منزلهم؛ لقد أغوى عناصر حوثيون الطفل منصور مقدمين له وعوداً كثيرة لتطويعه على الاندماج ضمنهم، بينما كان إمام الجامع يقدم له وللمصلين خطباً عن الجهاد تحثهم لمشاركة المليشيات القتال وتزرع فيهم أفكاراً طائفية تؤلبهم على القتال ومعاداة اليمنيين.

 

أخبرت عناصر المليشيات طفل الثانية عشرة، أنهم سيكتفون بأخذه إلى دورة قتالية في منطقة آمنة بمحافظة عمران شمالي البلاد، وسوقوا له كماً كبيراً من الوهم حتى استطاعوا تطويعه وأخذ موافقة منه على الذهاب لتلقي الدورة، وحينما كان سماسرة الموت الكهنوتيون يفاوضونه لم يعرضوا عليه الذهاب إلى المعركة وأوعزوا إليه الاستماع لنصحهم كونه سيكون بمنأى عن المخاطر الحربية ولن يستلزم الأمر منه سوى تعلم مهارات قتالية.

 

في تلك الجمعة ظل سرير منصور فارغاً للمرة الأولى في حياته، لم تشهد أسرته في المدينة يوماً دون أن تبدو ملامح الطفل أمام ناظري أبويه وإخوته الذين استوحش بهم الليل لفقدان أخيهم فجأة، لقد كان اليوم ذاك مختلفاً وينذر بالشؤم على أسرة أحمد السياغي الغارق في هم عميق.

 

لم ينقل الحوثيون منصور إلى معسكر تدريبي كما وعدوه في المسجد، أخذوه مباشرة إلى جبهاتهم، ودفعوا به إلى الصف الأمامي دون أن يكون لديه أدنى مهارة قتالية تمكنه من المواجهة أو استخدام السلاح.

 

في الواحد منا يناير/ كانون الثاني الجاري، صعد مسلحون حوثيون إلى مستشفى الثورة يحملون جثة مجندلة يتقاطر منها الدم وتتساقط منها الأشلاء، حيث كان يرقد والد منصور، لقد كان ذلك الجثمان المحمول إلى ثلاجة المستشفى هو منصور لكن من دون روح هذه المرة.

 

نقل منصور أخيراً من مستشفى الثورة في الحديدة نحو صنعاء للقاء بقية أهله، هنالك حيث كان البكاء والنحيب يعم حارة مسيك في انتظار قدوم منصور محمولاً على الأكتاف، وبعد أن صلى عليه أقاربه في مسجد عمار بن ياسر في المنطقة ذاتها بصنعاء، نقل إلى نهاية أليمة يوم الثاني من يناير/ كانون الثاني، في مقبرة تمتلئ بالكثير من الأطفال الذين قدمتهم المليشيات الإرهابية وقوداً لحربها الظالمة، وهنالك أرادت المليشيات أن تدفن قصته.

 

تقدم مشرف حوثي يدعى أبو هاشم، نحو والد الطفل الذي كان قد فاق من غيبوبته، أخبره أن "الله اختار ابنك منصور شهيداً"، وطلب منه صورة لمنصور لطباعتها وتوزيعها على الشوارع كما تفعل المليشيات عادة مع قتلاها الذين لا تقدم لهم سوى صور ينتهي بها الحال تحت الشمس والمطر، ووضع أبو هاشم شرطاً أمام الأب أحمد" أن يبدو منصور في الصورة أكبر سناً من عمره الطبيعي". هكذا طلب أبو هاشم لتغطية جريمتهم بحق الطفل البريء.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية